راي : محمد عبد الباقي عبدالباقي : ودعت العيلفون بدموع الدم.. أعز وأطهر وأشرف أبنائها عباس مناع، ودعته وهي تبكي كما لم تبكِ أحداً من قبل.. بكته لأنه كان مخلصاً وفياً لها لم يبارح سوح العيلفون منذ ميلاده حتى قبر تحت ثرائها.. أحبها فألفته وأخلص لها فدانت له بالولاء.. بكت فيه المُثل وبكت فيه الإخلاص والوفاء، كان شمساً حقيقية الذي لم يبع ضميره ولم يتاجر بوظيفة، كانت على خطاه تقاس الوطنية وكانت على أفكاره تبنى المشاريع والتنمية.. خصه الله بصفة النفس، وسلامة الطوية، ونقاء السريرة ومعافاة القلب من الضغائن والإحن.. كان نموذجاً مجسداً للتفاني والبذل والعطاء كان ذكياً موهوباً لا تفلت عن ذاكرته الأرقام والأسماء لقد عشنا معاً في منزل واحد وأسرة تربطها وشايئج الدم والأهلية.. لذا عرفته وخبرته وعاصرته.. كان اتحادياً قح.. لا يحرج إنساناً ولا يحرج مخالفاً للرأي.. فكان صبوراً ودوداً في نقاشه وإقناع الطرف الآخر، فاقتنع به كثير من الشباب.. أهدافه واضحة في الحزب الاتحادي الديمقراطي فالحرية لنا ولغيرنا.. والديمقراطية أساس الحكم.. والسودان للجميع.. والحزب هو الوطن مصغر.. ونحن دعاة للوحدة العربية مؤكدين انتماء السودان القومي والمحافظة على حدوده التاريخية.. والحزب يمثل المدينة الفاضلة والخدمة المدنية الطاهرة.. وكان مثلاً نادراً في الأمانة والزهد الذي اكتسبه من الصوفية، فكان ختمياً ملتزماً، سلك طريق آبائه وأعمامه.. باحترام إلى البيت النبوي الشريف. أذكر يوم وفاة السيد أحمد الميرغني، تحركنا بوفد من العيلفون بقيادة عباس مناع، وعثمان بخيت، وإدريس الصديق، وصديق عركي، وجد الشيخ إدريس والصادق أحمد وتمركزنا مبكرين في جامع السيد علي.. وعند مغيب الشمس سألت عباس هل أنبك بطعام فرد علي صائماً، اليوم يوم أدب أكلنا كثير. تأملت تلك المقولة وما تحمله من معاني كثيرة يضيق المجال عن ذكرها، هؤلاء هم الذين عرفوا الحياة فركلوها بأقدامهم .. وعرفوا بأن التصوف بيت دروشة أو نقص في الفهم والإدراك، لذا كان عباس يخر ساجداً راكعاً لله الليالي الطوال.. قانعاً بأن حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هنالك حياة أخرى بها من الجمال والكمال المعد للزاهدين، عرفوا حقيقتها فخرجوا منها كما دخلوا. حتى رأس إجلالاً لوفد السادة الختمية بقيادة مولانا الخليفة صلاح سر الختم.. وأنا متابع لهم منذ تحركهم من كسلا حتى وصولهم العيلفون، وهم يتأسفون على عدم حضورهم تشييع الخليفة عباس مناع الذي له مكانة خاصة عند مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، والذي كان ينفرد به الساعات الطوال في أمور لا علم لنا بها تخص السادة والحزب فكان من الخواص. أدعوا الله أن يسكنه فسيخ جناته مع الشهداء والصالحين، فحسن ظني في ربي بأن الجنة لمثل عباس خلقت.