المهم انتهت المساومات وانتقلت الى أربيل بمبادرة من رئيس حكومة كردستان -العراق مسعود البرزاني الذي استطاع في نهاية المطاف جمع الفرقاء الرئيسيين الثلاثة- التحالف الوطني ودولة القانون من جهة والقائمة العراقية من جهة ثانية والتحالف الكردستاني بقيادة الطالباني من جهة ثالثة، والتقى أخيراً (يوم الاثنين الماضي) كلاً من المالكي وعلاوي وطالباني بمنزله ووقعا على وثيقة اتّفاق- كُتبت بخط اليد-تنص على اجتماع البرلمان لتشكيل الرئاسات الثلاث رئاسة البرلمان التي أُنيطت بأسامة النجيفي ممثلاً للعراقية ورئاسة الجمهورية لجلال الطالباني الرئيس السابق الذي أتفق على تكليفه المالكي بإعادة تشكيل الحكومة مع إنشاء مجلس السياسات الإستراتيجية الذي خصصت رئاسته لإياد علاوي، مع الاتفاق على إلغاء قانون (إجتثاث البعث) والقانون البديل (المساءلة والمحاسبة) الذي يتأثر به بعض أعضاء القائمة العراقية الفائزين في الانتخابات، ومن ثم اجتمع البرلمان يوم الخميس الماضي، فشهدت الجلسة الأولى بعد انتخاب النجيفي هرجاً ومرجاً واختلافاً حاداً (حول الإجراءات) بعد أن قررت قائمة دولة القانون وحليفها الائتلاف الوطني والكتلة الكردية الذهاب رأساً الى انتخاب رئيس الجمهورية دون التوقف عند وثيقة الاتّفاق الثلاثية، فاحتج علاوي وخرج ومعه معظم أعضاء كتلته في الجلسة، بينما كانت حجة الكتل الأخرى بقيادة علاوي وطالباني هي أن الجلسة الأولى هي جلسة إجرائية لانتخاب الرئاسات ويمكن إرجاء القضايا الأخرى، كإنشاء (مجلس السياسات) وإلغاء قوانين اجتثاث البعث أو المساءلة والمحاسبة الى جلسات قادمة لأنها تحتاج تكييفاً قانونياً. احتجاج العراقية وانسحابها كان ضغطاً بلغ مرحلة التهديد بمقاطعة العملية السياسية الجارية برمتها، لكن ريثما هدأت النفوس بعد اتصال هاتفي من الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع إياد علاوي طمأنه فيه بأن ما أُتفق عليه في منزل البرزاني سيتم إنجازه خلال أسبوعين وتحت قبة البرلمان، خصوصاً لجهة إلغاء قانوني إجتثاث البعث والمساءلة والمحاسبة وإنشاء (مجلس السياسات الإستراتيجية). لكن اتصال أوباما أكد على حقيقة هامة لفتت نظر المراقبين وهي (الاتّفاق الآخر) الذي هيأ المسرح السياسي العراقي للوصول إلى (الوثيقة الثلاثية) التي شكلت مخرجاً للأزمة وما الاتفاق الآخر إلا (الاتّفاق الإيراني -الأمريكي) من خلف الكواليس، فقد بات معلوماً لدى كل متابعي الشأن العراقي أن الدور الإيراني والدور الأمريكي، بحكم الهيمنة الإيرانية على الأوساط الشيعية العراقية وبحكم الاحتلال الأمريكي المباشر للعراق هما دوران متوازيان ومتقاطعان أحياناً بحكم المصالح المتعددة للطرفين التي تتوازى وتتباعد أحياناً وتقترب وتتقاطع في أحيان أخرى. ومن جانب آخر فإن اتّصال أوباما وما ترتب عليه من تهدئة يُعبّر كذلك عن غياب الثقة بين أطراف اللعبة السياسية العراقية، وما حدث في الجلسة الأولى ووصفه علاوي بأنّه (انقلاب على الاتّفاق والوثيقة الثلاثية) يؤكد أن جمر الصراع لايزال متقداً تحت رماد ذلك الاتفاق، ريثما يعود للاشتعال فور تشكيل (المجلس السياسي) برئاسة علاوي، وربما قبل ذلك عندما يبدأ البرلمان البحث في صلاحيات ومسؤوليات ذلك المجلس الذي يهدف أساساً الى خلق (حسم سياسي) يكون بمثابة (بيضة الثعبان) التي توازن بين مصالح الكتل السياسية وتحفظ أنصبة تلك الكتل في صناعة القرار خصوصاً في القضايا الكبرى المتعلقة بالأمن والاقتصاد والسياسة الخارجية ، وهو بذلك سيكون قطعاً بمثابة مركز سياسي مواز لصناعة القرار يحد من صلاحية الحكومة برئاسة نوري المالكي وقيداً على حركة مؤسسة الرئاسة بقيادة جلال الطالباني برغم عضويتها فيه الى جانب مسؤولين آخرين، كما يتوقع المراقبون أيضاً أن يتقد جمر الخلاف عندما تأتي لحظة توزيع الحصص والمناصب الوزارية.. وكل ذلك يعني أن الأزمة العراقية حول تشكيل الحكومة قد حُلت في الظاهر ولكن ظلت عوامل الخلاف والنزاع كامنة في الباطن، وما علينا إلا أن ننتظر لنرى.