وعند آخر يوم في حياتي الدراسية .. وبعد أن (سلّمت) آخر ورقة امتحان اجتاحني شعور عاصف بالزهو والطلاقة وملأت أشرعة مركبي رياح رخاء وأضاءت السماء أمامي بألوان باهرة وساطعة.. غمرتني موجات من السعد والسعادة وأنا أضع من على ظهري أحمالاً تئن من ثقلها الجبال فقد توهمت أن أبواب الأمل ونوافذ الإشراق قد انفتحت مشرعة أمام خطوي وخطواتي.. توهمت أيضاً أن عهد الأسئلة قد انطوت صفحاته وإلى الأبد وأن مواسم الامتحانات والاختبارات قد ذهبت إلى غير رجعة.. وكم كنت غشيماً غراً ومسكيناً فقد شاءت إرادة المولى أن أتوه من مرفأ لمرفأ وتماماً مثل صديقي الجميل التجاني سعيد.. وحكمت على الأيام أن أجابه في اليوم الواحد ألف امتحان وامتحان.. وطفقت الأسئلة تهطل على عقلي وقلبي ورأسي كمطر العينة.. عندها أدركت كم هو حائر بل (شقي) إيليا أبو ماضي وهو يحاول عبثاً فك طلاسم ظلت تتراقص حياله عصية الشفرات بالغة التعقيد وصدقوني أن كمية الأسئلة التي ظلت تطرق عقلي ورأسي كما المطارق طيلة عهد الإنقاذ تبلغ أوزانها بالأطنان وأطوالها بالأميال وأحجامها كما الجبال.. صحيح أن بعض الأسئلة البالغة الخطر والخطورة قد أجاب عليها تقادم السنوات.. وكثير منها قد (كشفته) عوامل التعرية وجزء لا يستهان به قد أفصح عنه شيخنا وتلك (النعمة) التي تنزلت علينا رحمة ولطفاً وعطايا من الواحد المعبود الذي فلق الحبة إلى شقين وأخيراً جداً بل آخر أعيادنا وأفراحنا المتمثلة في هتك بعض المحجوب عنا قد قيض الله لنا أحد الأخوان وهو يزفر زفرات حارة وحارقة تذيب الأسفلت وحمداً لله كثيراً فقد أذابت ذاك السياج الفولاذي السميك والمنيع ليكشف لنا هذا (الأخ) كيف أن البلاد قد صارت ملكاً مشاعاً وحكراً مطلقاً لفئة واحدة من مجموع الشعب السوداني المسكين وكيف كان (القوم) يتحكمون في أقدار الناس والبلاد والثروات والعباد.. صحيح أن هذا (الأخو) قد رمى (إخوته) بكل موبقة تقود الناس يوم القيامة إلى الجحيم.. ونحن لكشفه (شاكرين).. ولكن الصحيح أيضاً أنه قد صور أستاذه كأحد الملائكة بل لقد رسم له شخصية لا يأتيها الباطل ولا خطل الرأي ولا وزر من الأوزار ولا مظلمة من المظالم.. ولا جريمة من الجرائم كل ذلك لا يأتي لأستاذه بل شيخه من خلفه وأمامه وبين يديه.. يقول ذلك متوهماً أننا قبيلة من النعام أو الأغنام. ثم ماذا.. اليوم دعوني أسأل ولكن ليس في أمهات القضايا وخطر وخطورة الملفات، أسئلة تلح على إلحاحاً لا مانع لديّ بل لا يغضبني لو وضعتم أسئلتي في مربع (قلة الشغلة) أو (الناس في شنو والناس ديك في شنو).. ولا تثريب عليكم إن ضربتم كفاً بكف وأنتم تتمتمون (والله فايق فياقة) المهم أن هناك أوامر وقوانين قد مست قلب حياتنا ما زالت سارية نوردها ولا نعشم مجرد العشم في إلغائها.. هذا ضرب من الجنون أو المستحيل فقط نسأل ونود أن نعرف الجهة أو الشخص أو المسؤول الذي كان وراء القرار أو أصدر ذاك القرار. سؤالنا هو.. عند انطلاق إعصار الإنقاذ وفي ذروة هبوبها العاصف الذي أطاح بالخيمة و(قلع) الأوتاد.. وفي هجمة ضارية ساحقة وماحقة و(بساطور) بالغ الحدة مشحوذ الأطراف ذبح التلفزيون روائع وبدائع الغناء الرصين والجميل والبديع والنبيل .. جرت دماء تلك الأغاني في ساحات الحوش الكبير بل تسربت من بين الشقوق والحمد لله وبعد أن عافى الله الإنقاذ فقد عاد الشدو وعادت الأغاني ذاتها وزها الميكرفون وهو يأتلق أنهاراً وظلاً .. سؤالنا من فعل ذلك؟ نطلب الإجابة من أساتذة نظن أنهم قد يعرفون من هو الفاعل.. ننتظر الإجابة من الأساتذة مولانا الطيب مصطفى والجنرال حسن فضل المولى والأستاذ كابلي والأستاذ عثمان مصطفى والأستاذ أنس العاقب.. لهم الشكر لو تكرموا بالإجابة حتى يشهد لهم التاريخ الذي لا يغفو ولا ينام.