٭ ظل السودان منذ أقدم العصور وبخاصة لدى قيام أول حضارة إنسانية في التاريخ، هي الحضارة النوبية وحضارة الحديد بمروي، حيث الثراء والرخاء، يستقبل موجات متلاحقة من المهاجرين الوافدين إليه زنوجاً وعرباً ، يمتزجون بالتزاوج والتصاهر مع سكانه الأصليين، حتى تبلورت هوية سودانية مزدوجة الأعراق الزنجية والعروبية، فصار السودان بمثابة بوتقة لصهر هذين العنصرين في كيان واحد، متميز الخصائص، متفرد السمات. وكانت تلك الموجات من المهاجرين لا تجد سوى التسامح والتعايش من سكانه، وظلت أطرافه متصلة بعلاقات حميمة مع جيرانه، فيما يشبه التكامل الطبيعي في الحياة اليومية، ولم يبق سوى أن تصيغ دول الجوار مع السودان علاقات تكاملية تخدم المصالح المشتركة أمنياً واقتصادياً وثقافياً.. وبذلك يصير على السودان وجيرانه أن يقيموا علاقات تكاملية بين الشعوب مستقرة ومستدامة لا تتأثر بالتوترات التي تطرأ على أنظمة هذه الشعوب.. ٭ قد تطرأ توترات بين السودان وجيرانه أما بإيواء المعارضين وإما بتحولات في المحاور بالمنطقة، ولكنها ظلت لفترات أقصر من فترات الجوار الحسنة.. ويلاحظ اليوم نجاح السياسات الخارجية في خلق بيئة جوارية حسنة بين السودان وجيرانه، أثيوبيا ، أرتريا ، تشاد ، أفريقيا الوسطى، تكاد تصل إلى التعاون على جميع الأصعدة، وبخاصة الصعيد الأمني.. ٭ أما العلاقات مع مصر فقد ظلت متقلبة بين التوتر والتعاون ، مع أن المؤشرات تشير إلى إمكانية تطوير التعاون إلى تكامل، أما التوتر الراهن الذي بدأته مصر فقد يكون تنفيساً عن احتقان داخلي بافتعال استهداف خارجي.. وفي هذه المرة جواري وقد يكون بسبب تحولها إلى محور دولي وإقليمي آخر.. ولكن الأظهر أن مصر تشعر بأن العلاقات التكاملية التي يرسيها السودان مع أثيوبيا إنما تجري على حساب علاقته معها.. وقد قطع السودان ومصر خطوات حثيثة في طريق التكامل، بالطريق البري الناقل بين السودان ومصر، أما العلاقات التكاملية بين السودان وأثيوبيا فمردها الأساسي هو الإتفاق على التعاون في حقل الطاقة الكهربائية، جراء العمل الجاري في سد النهضة المثير للحساسية لدى مصر، هذا مع أن البلدان الثلاثة اتفقت على المستوى الرئاسي على أن فوائد ذلك السد هي لسائر دول المنبع والممر والمصب، وأنه ليس هناك أحد متضرر.. أما العلاقات مع الجار الأقرب دولة الجنوب الوليدة، فمستقبلها المتطور سيكون تكاملياً بحق يفضي ربما إلى علاقات كونفدرالية. ٭ فما يجمع بين البلدين من مصالح اقتصادية وثقافية أكبر مما يفرق بينهما، خصوصاً أن البلدين قد تخطيا آثار الانفصال.. وفيما بين البلدين إتفاق تعاون ينتظر بعد إزالة آثار الحرب الأهلية في الجنوب، لأن يتطور إلى إتفاقية تكامل.. ٭ على السودان أن يكون واحة للسلام مع جيرانه وهو كذلك لحد كبير، أما الخلاف مع مصر حول مثلث حلايب فحله أما بالتكامل بين البلدين على الأقل في هذا المثلث الذي يرقد على ثروات معدنية هائلة كالذهب، بحيث يتقاسمان السيادة عليه وعلى ثرواته، وإما بالتحكيم الدولي الذي ترفضه مصر، فلم يبق إلا لجوء السودان لمجلس الأمن الدولي على إعتبار أن الجامعة العربية محتلة مصرياً، وقد ظل يجمد هذا اللجوء الدولي على مدى سنوات طوال.. والتحكيم أو التدخل الدولي السلمي سيوفر على البلدين أي نزاع بين البلدين لاحقاً ، أما الفشقة السودانية على الحدود الاثيوبية فقد جرى تسوية الخلافات حولها سلمياً. ٭ رئيس حزب الحركة الشعبية جناح السلام