ونعيش شعباً وأمة.. وطناً وبلاداً حكومات وشعباً.. عساكر ومدنيين.. نعيش على تراب هذا الوطن تحت رايات الاستقلال بعد مغادرة الاستعمار.. ولا أقول طرده.. فقد ودعناه خير وداع في أناقة وحضارة وتشهد على ذلك صور القطارات وهي تحمل الجنود البريطانيين في رحلتهم التي بلا عودة إلى أوطانهم.. عشنا تحت ظلال الاستقلال وتحت راياته الخفاقة فوق رؤوسنا ونسأل في صرامة.. أو بسالة أو شجاعة.. أو جرأة .. هل نحن سعداء بحصاد السنين الستين والذي هو الآن بين كفوفنا؟؟.. وهل واصلنا البناء بناء الوطن من حيث انتهى الاستعمار.. وهل الحال الماثل يرضينا أو يسعدنا.. وهل هذا ما نتمناه للوطن الجميل؟. نعم هي أسئلة وكأني استخرجها من مرجل يغلي.. أو حروف اكتبها بأطراف أسنة وخناجر.. أو كلمات أسطرها بجمر «تهبو الريح» وأعواد مشاعل؟ والاجابة أحبتي.. إن انطلقت من صوت الحق.. لن تكون أقل من الاسئلة ضراماً واشتعالاً. ونتوكل على الحي الذي لا يموت.. ونبدأ الإبحار في رحلة الرعب.. ونضرب بالمجداف على سطح بحر الخوف والفزع.. ونقول: ليس هذا الحصاد الفقير ما نرضاه لهذا الوطن الجميل.. وحتى أكون منصفاً أميناً وعادلاً.. أقول.. لا نبرئ أحداً.. لا نبريء حزباً.. لا نبريء نظاماً. لا نبريء حتى الشعب نفسه.. كلنا حكومات ومعارضة مواطنين وشعب شركاء في هذا الحصاد البائس.. شركاء في التقصير في حق وطن كان يجب أن يكون أفضل من هذا.. ستون عاماً من حكم أنفسنا بأنفسنا.. ولا نزال في مرحلة التحرر الوطني.. مرحلة طرد المستعمر التي أشبعناها غناءً وحداءً ونثراً وشعراً وأناشيد.. وإذا كان غاية الإخلاص والحب لهذا الوطن هو فقط التغني بأمة الأمجاد والتباري والمنافسة في نظم الأغاني والملاحم والغزل حباً في الوطن فقد أوفينا الوطن حقه ويزيد.. ولكن الحقيقة والحق.. و «الحاصل» هو إننا مازلنا «مسمرين» في منطقة «ونرفع راية هم خلوها فوق السارية متكية».. مع إدارة ظهورنا تماماً لمرحلة ما بعد التحرير، وهي مرحلة التعمير والتي تقوم بها كل شعوب الدنيا مباشرة بعد التحرير.. أما نحن وبعد أن أنفقنا كل حروف الدنيا من الغناء، وكل كلمات الدنيا من الأناشيد.. فقد بدأنا- كما قال الدكتور منصور خالد- بدأنا بعد التحرير ملحمة «التكسير». ونبدأ.. ولأنني سوف أورد بعض إشراقات وبعض انجازات الاستعمار.. أوردها في بسالة لا أخشى أحداً.. ولا أرتعد ولا أفزع من كل زاعق أو متنطع.. أو أي حامل لصكوك الخيانة والبراءة يوزعها كيف يشاء.. سأكتب فقط.. مستوحياً رقابة ضميري والخالق.. وتحت سمع وبصر شعبي العظيم، والذي لا أعفيه من تحمل بعض الإخفاق الذي لازم مسيرة الوطن طيلة عقود الاستقلال. وغداً نبدأ الكتابة عن وطن لم نقدره حق قدره.. وعن عجزنا رغم إننا كنا وللأسف قادرين على التمام..