نعم لقد ظل إقليم دارفور مهملاً منذ الاستعمار الانجليزي في الجانب التنموي طوال فترة الحكم الثنائي، منذ انضمام الاقليم بصورة نهائية في عام 1917م الى السودان، لم يحظَ الإقليم بالتنمية، بل استمر متخلفاً في ظل حكومات مابعد الاستقلال عسكرية أم مدنية، ومنذ صدور قانون الحكم الأقليمي 1980م حيث قسم شمال السودان إلى خمسة أقاليم كانت على النحو التالي: الشمالي، الأوسط، الشرقي، كردفان، دارفور بالإضافة إلى معتمدية العاصمة القومية الخرطوم، ومنذ ذلك التقسيم إلذي تم، ظلت دارفور تحت ظروف إقتصادية قاسية لا توجد بها بنيات أساسية، ونتيجة لهذا الوضع وغيره من الأسباب الأخرى فشلت الحكومات المركزية في استقطاب موارد مالية للإقليم، وبالتالي لم يكن الدعم المالي الذي قدم لمقابلة نفقات الفصل الأول (الأجور والمرتبات) والأجهزة الأمنية فضلاً عن عجزه في إحداث اي حراك تنموي، وفي يونيو1989م عملت حكومة الإنقاذ على تقسيم دارفور إلى ثلاث ولايات في العام 1994م ضمن إعادة تقسيم ولايات السودان في ظل نظام فيدرالي، وكان الغرض من هذا التقسيم تحقيق التوازن التنموي والمشاركة الواسعة في السلطة على المستوى المحلي، والتعبير عن التنوع الثقافي والهوية وعلاقة الدين بالدولة، وكان من الأهداف الكلية لتطبيق الفيدرالية بناء أمة متماسكة البنيان والوحدات، وخلال عشرة أعوام الأولى من التطبيق الفعلي للفيدرالية منذ العام 1994م وحتى اندلاع الحرب في دارفور 2003م، والاسوأ من ذلك أنها زادت عدد المحليات من إحدى عشرة الى تسع وخمسين، والولايات الى خمس بدلاً من ثلاث بلا صلاحيات وموازنات، واجهت التجربة الفيدرالية في دارفور مشكلات عديدة أهمها النقص الحاد في الموارد المالية، ورغم إنشاء صندوق قومي لدعم الولايات الفقيرة في البلاد، والتي حدد عددها بسبع عشرة ولاية إثنتان منها في دارفور، إلا أن الدعم التنموي كان ضعيفاً جداً، وفي كل الأحوال وبحسب المعايير العالمية للنظام الفيدرالي يكون الإطار السياسي للنظام الفيدرالي ديمقراطي، لأن الفيدرالية لاتتناسب أبداً مع الشمولية، فالإستفتاء أيضاً في حد ذاته لا يتم إلا في نظام ديمقراطي، لذلك فإن القرارات التي يتم بموجبها إنشاء الولايات تعتبر غير كافية.. وبالتالي التقسيم الذي تم عبارة عن (دفن الرؤس في الرمال)، وكانت الحرب في دارفور قد أدت الى مزيد من تعقيد الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وظلت الولايات تعمل في ظل وضع غير طبيعي، وكان بداهة أن تعجز في ظل عدم الاستقرار عن إنفاذ المشروعات والأهداف التنموية. وغني عن القول، إن فكرة الاستفتاء المثارة برزت عندما رفضت الحركات المسلحة الدارفورية تقسيم الإقليم الذي ظل كياناً واحداً على مدى قرون، رفضت تقسيمه الى ولايات فيما تمسكت الحكومة وبعض أهل دارفوربالتقسيم الحالي، علماً بأن حتى النظام الفيدرالي الحالي ونزولاً إلى تقسيم دارفور إلى خمس ولايات لم يتم اجراء أي استفتاء حولهما، ولماذا الاجراء في هذا الوقت بالتحديد؟ وبالملخص فإن اتفاق الدوحة قد نص على الإستفتاء كما تم عرضه في بداية الورقة، وكان من المأمول أن هذا الاتفاق سوف يجد القبول من كافة الأطراف، غير أن الحقيقة المرة أن أهم أطراف الصراع المسلح هم خارج سياق الاتفاقية، ولم يقبلوا بها ولم يوقعوا عليها، ومازال الاتحاد الافريقي يبحث عن مخرج للأزمة، وبهذا أنشأ استقطاب حاد داخل الإقليم، مما يؤدي الى تفجير فتيل الصراع مجدداً، وعليه أن الحل الاستباقي لحل أزمة دارفور بمعزل عن الأزمة الوطنية الشاملة لا يمكن باي حال من الأحوال أن يكون علاجاً جذرياً لأزمة البلاد، بل يكون عنصراً من عناصر تفاقم الأزمة الوطنية، أن جوهر الحل يطلب بداية إعادة البناء لما دمرته الحرب، ودفع التعويضات لأسر ضحايا الحرب، إشاعة التوازن التنموي بين جميع المناطق، وإعادة النظر في هياكل الحكم في ولايات دارفور الخمس (الحكم الفيدرالي المشوه حالياً) حلاً يتجاوز لنظام فيدرالي حقيقي لستة أقاليم فقط، وليس تجزئة الحلول التي لا تستوعب كل القضايا وكل التطلعات والأماني للوصول الى هياكل حكم مقبولة للجميع، وهذا هو الخيار الوحيد لحل أزمة البلاد، لأن أزمة دارفور جزء من الأزمة الوطنية الشاملة، بل أنها إحدى تجلياتها الصارخة جراء تراكم الأخطاء المتراكمة منذ الاستقلال نتيجة لفشل القوى والفئات الاجتماعية التي حكمت البلاد، سيما الأنظمة الشمولية في إنجاز هدف واحد من أهم أهداف مرحلة مابعد الاستقلال، وهو التنمية المتوازنة باختصار أكثر أحداث تنمية حقيقية، ولذلك يصنف السودان اليوم بعد أكثر من 60عاماً من الاستقلال كواحد من أكبر بلدان العالم فقراً.