٭ كنت اعتقد أن والي شمال كردفان مولانا أحمد هارون وحده من توضأ بماء العزيمة والإرادة، وجعل نفير شمال كردفان ابناً لكل مواطن و مواطنه بولايته، والكل توشح بالثقة بالنفس، وتحملوا نهضة ولايتهم، بكل مسؤولية واقتدار. لكن الشاب صلاح يوسف النور من أبناء مدينة المناقل، كان هو بطل نفير نهضة مستقبله، وإن كان شعار «الكردافة الناس القيافة».. موية طريق مستشفى والنهضة خيار الشعب.. كان شعار صلاح «عزيمة إرادة والنجاح حليفي». ٭ كان الطموح لدى صلاح يمشي على قدمين، وقد روت «آخر لحظة» قصته يوم الثلاثاء الماضية.. توفي والده في العام 2010م، ولكنه فضل قطع دراسته والعمل ليعول إخوته، فجاء للخرطوم وعمل «كمساري» بحافلة، خط سيرها بشارع الجامعة، فكان مظهر طلاب جامعة الخرطوم دافعاً وحافزاً لمواصلة دراسته ودخول الجامعة. ٭ يبدو الأمر مذهلاً وعصي التحقيق ولكن من باب الحافلة ولج صلاح باب الجامعة.. وقد قال رأيت الأمر مستحيلاً، ولا يمكن تحقيقه في ظل ظروفي، ولكني تذكرت القول المأثور: «لو تعلق قلب المرء بالثريا لنالها».. جلس لامتحان الشهادة السودانية في العام 2011م ونجح وحقق حلمه بدخوله جامعة الخرطوم كلية الآداب. كان صلاح شامخاً كالجبال، معتزاً بنفسه أيّما اعتزاز، ولذلك طبيعي أن يكون أول دفعته في السنة الأولى بالجامعة وهو الآن في المستوى الخامس مرتبة الشرف بمعدل ممتاز، يواصل دراسته في الجامعة ويعمل كمساري في حافلة بخط الدروشاب السوق العربي. ٭ء يوفق صلاح بين العمل ودراسته بطريقه قائمة على أساس «العزة» لا الانكسار، «الإصرار» لا التكاسل ، «الهمة» لا الإحباط، بحيث يغيب أيام العمل عن الجامعة، وأحياناً يعمل ثلاثة أيام في الأسبوع، وذلك حسب حاجته وحاجة أسرته للمصاريف كما أنه يعول شقيقه الذي يدرس بالسنة الأولى بجامعة النيلين كلية التجارة. ٭ قال صلاح كلمات مؤثرة للزميل العزيز معاوية محمد علي الذي أجرى معه الحوار.. وقفت كثيراً أمام كلمات صلاح، والتي هي درر، قال أنا محب لهذه المهنة التي جعلتني اكتشف وأعرف الكثير من خصائص ومميزات المواطن، كما صلاح عاتب على كثير من فئات المجتمع التي تنظر إلى الكمساري كأنما هو أقل قيمة. ٭ لم أسمع في الآونة الأخيرة قصة إرادة مثل قصة الشاب صلاح، وقد شعرت بسعادة كبيرة وجامعة الخرطوم تباهي بصلاح وتكرمه - وتجدون مادة التكريم الجميل - في هذه الصفحة. ٭ إن قصة صلاح جديرة بأن يرويها كل أب لأبنائه، حتى وإن كانوا ميسوري الحال، ليتعلموا منها الاعتماد على الذات، الصبر، المثابرة والإعتزاز بالنفس.. والقصة أكثر جدارة لأن يتأملها من يشعرون بضيق ذات اليد ليوقنوا أنه بالإمكان حفر الصخر بالأضافر. ومهما يكن من أمر مطلوب من الطالب صلاح أن يلقي محاضرة للمسؤولين بعنوان الإرادة، والتي ماتت عند كثيرين منهم وقتلوها عند آخرين.