في حلقة سابقة شرحنا كيف كادت تجربة «الإنقاذ» أن تنجح كثورة وكيف فشلت كدولة؛ ودليلنا على الفشل، ما أعلنه الدكتور مصطفى عثمان الذي قدم قبل أيام معدودة اعترافاً داوياً بفشل السودان كدولة، وصاحب التصريح من أقطاب التجربة الفاشلة!! قلنا هناك إن تجربة الفشل تعمقت بعد عشر سنوات حتى غطت «تماماً» على الإنجازات التي تركها الصادقون من شباب الخلاوى الغبش في الساعات الأولى للتجربة!! تتبعنا خطوات التراجع في الشعارات والتنازلات التدريجية حتى بلغت الانهيارات مع الألفية الثالثة تأخذ نقلات نوعية: بدأت مظاهر التراجع في تلك الفترة ببدء التمرد في الغرب واتفاقية أبوجا واتفاقية نيفاشا، وكلها كانت تراجعات حتى تدخلت قطر في اتفاقية الدوحة ولم تفلح في علاج الموقف. انكشف ظهر البلد تماماً بعد عام 2011م وتجزئة السودان لدولتين، وظهر ذلك جلياً في استفحال أزمة الفقر والتدهور الخلقي.. وبدأت القطة تأكل بنيها.. خرج عدد كبير من الحرس القديم وحدثت تغيرات في القصر ولكن لم ينفع هذا التجديد.. لأنه كان شكلياً.. بل عمق الضعف. والآن لم يعد لديه إلا آخر طلقة من ذخيرة «الكرامة» وهي الاستجابة الكاملة للشروط الأمريكية والتورط في حروب إقليمية، والمطلب الأمريكي الأول منذ سنوات عديدة كان التصالح مع إسرائيل! بدأوا الطريق إلى إسرائيل وبإعلانات مكررة: إنهم رفضوا هذا المطلب وواضح أن الأمر كان قد بدأ يداعبهم! هذه الإشارات الخفية التقطها سياسيون مغامرون كوالي القضارف الذي أعلن من زمن بعيد هذه الأشواق الخفية التي كانوا يتداولونها في مجالسهم الخاصة. لم يستجب أحد إلى هذه التصريحات الغريبة باعتبار أن صاحبها مثيراً للجدل.. ثم بدأ الدكتور مصطفى عثمان يرسل إشارات خفية لتمهيد الساحة.. ولكن هذا أيضاً لديه فلتات في حق الشعب السوداني والآن يعترف علناً أن الدولة فاشلة. في الأسابيع الأخيرة في أروقة الحوار أطلقوا بالون اختبار بواسطة حزب صغير في حاجة إلى الظهور العلني هو حزب المستقلين، وقد كان امتداداً لأصوات كنا نسمعها وسط بعض مثقفي غرب السودان إلى ضرورة التصالح مع إسرائيل، هذه المواقف أيضاً يمكن أن نتجاوزها باعتبارها ضمن «مماحكات سياسية أو ربما عرقية» في السياسة السودانية. أما الخطوة الكبرى فقد كانت لدى «المؤتمر الوطني»، وذلك بتلميع تراجي مصطفى رئيسة «جمعية الصداقة السودانية الإسرائيلية»!! بحراك هذه الناشطة السياسية هيئوا الساحة للفاجعة الكبرى التي وقعت على يد وزير الخارجية إبراهيم غندور!! في لقاء تفاكري حول العلاقات الخارجية، أعلن رئيس الدبلوماسية السودانية «أن بلاده لا تمانع في دراسة إمكانية التطبيع مع إسرائيل»!! وجاء الرد الإسرائيلي سريعاً: «أعلنت إسرائيل في بيان صادر عن نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية، تسيبي حوطو بيلي، رفضها التطبيع مع السودان باعتباره دولة عدوة لإسرائيل، ولما لهذا البلد من سجل دموي في حق شعبه في جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق وشرق السودان». وقال رئيس «قسم أوروبا وأمريكا» في الخارجية الإسرائيلية، أفيف شير أون، في تعقيبه على البيان الصادر عن الوزيرة المذكورة: «إنه من العيب على دولة شمولية أن تفكر في التطبيع مع دولة ديمقراطية كما الحال مع إسرائيل»!! وأضاف: «السودان بلد لا يحترم حقوق شعبه ناهيك عن احترامه لدولة يصنفها بأنها عدوة ويبذل قصارى جهده لزعزعة استقرارها عبر علاقاته المشبوهة مع إيران والمنظمات الإرهابية الإقليمية وتمويل عملياتها من خلال تهريب السلاح لضرب الاستقرار في دولة إسرائيل». وأشار أفيف في تصريحاته إلى «أن السودان يعاني ضغوطات اقتصادية وأزمة مالية الأمر الذي يدفع مسؤوليه هذه الأيام للاستنجاد بمواقف مرتجلة بعيدة عن قناعات ظلت تتبناها الحكومة السودانية قرابة الثلاثة عقود، وذلك من أجل الحصول على قروض ودعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تفرض على هذا البلد عقوبات اقتصادية.» وهاجمت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية، تسيبي حوطوبيلي في بيانها، الوزير السوداني قائلة: «إسرائيل تغلق أبوابها أمام أي محاولات يائسة من حكومة السودان الفاشلة». هكذا لم تتأخر الدولة اليهودية وهي في أوج قوتها؛ وقوتها في الأصل من ضعف خصومها العرب.. وضربت ضربتها الكبرى وقد كانت موجعة بحق، بل أقوى من القنابل التي ألقتها فوق رؤوسنا في الكلاكلات وأبو آدم!! صدقت إسرائيل «المعروفة بالوقاحة» أن السودان يستجدي بمواقف مرتجلة ود أمريكا لترفع الحصار!! تمت الناقصة.. حتى إسرائيل المعزولة سياسياً وأخلاقياً لم تقبل بصداقتنا.. ولك الله يا وطني!!