حسناً فعل سعادة السيد والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر حين أمر بتجميد العمل بلائحة المرور الجديدة التي أثارت الكثير من الاعتراضات، وأدت إلى توقف شبه كامل لوسائط المواصلات من الحافلات، نسبة لارتفاع قيمة الغرامة من ثلاثين إلى خمسين جنيهاً، وأخرى خمسة وسبعين جنيهاً، وثالثة مائة جنيه.. وكادت عملية التطبيق تؤدي إلى انفلات أمني بسبب هذه الزيادات في مكان مكتظ بمستخدمي المواصلات العامة، ولا ندري ما هي الجهة التي قامت بوضع هذه اللائحة المرورية وبهذه الأرقام العالية التي لا تتناسب مع دخول عدد كبير من أصحاب المركبات سواء الخاصة أو العامة، وكأن تلك الجهات ليست في ولاية الخرطوم ولا تتابع مجريات سبل كسب العيش في هذه الولاية عند عامة الناس. إن المركبة العامة- الحافلة على سبيل المثال- يصرف عليها صاحبها كما يلي: بنزين- زيوت- قطع غيار- راتب سائق وراتب كمساري، وهذا يتماشى مع القول السائد إنه من السهل على الشخص أن يشتري عربة، ولكن من الصعب عليه أن يصرف على تسييرها، لأن كلفة التسيير يومية، بينما الشراء يتم مرة واحدة، وبعد تلك المصروفات آنفة الذكر يأتي نصيب صاحب المركبة في الأكل والشرب والعلاج والسكن والكهرباء ورغيف الخبز وغيرها من المستلزمات اليومية، ومنها مصروفات الأبناء في المدارس.. الخ.. ومن هذا المنطلق فإن دفع خمسة وسبعين جنيهاً لمخالفة يضر بصاحب المركبة ضرراً بليغاً، ويجعل الوضع كأن الدولة شريكة له في دخلها، فالمبلغ عبارة عن (توريدة اليوم).. وتشدد شرطة المرور في تحصيل الغرامة باستلام رخصة القيادة من السائق أو رخصة المركبة، وأحياناً سحب لوحات رقم السيارة، وكلها للإرغام على الدفع، ورخصة القيادة وغيرها مما ذكرنا، ملك لصاحبها تحصل عليها من الشرطة بعد دفع الرسوم المقرره، فأصبحت رخصة القيادة بذلك مثل شهادة الجنسية وجواز السفر، والبطاقة الشخصية، وكلها لا يجوز سحبها من صاحبها إلا بقرار من محكمة أو رئاسة الجمهورية.. وأرجو أن أكون على صواب في هذا الرأي، ونريد أن نسمع من وزارة العدل الرأي القانوني في استلام رجل الشرطة لرخصة القيادة من صاحبها وعدم إعادتها له إلا بعد دفع الغرامة لمجرد أنه لم يربط حزام الأمان وتخالف شرطة المرور القواعد بالسماح لمن لا يحمل رخصة قيادة أصلاً بالقيادة بإيصال دفع الغرامة، وبهذا يصبح هذا الشخص مهدداً للسلامة المرورية، وخطراً على نفسه وعلى المركبة التي تحت قيادته، وعلى الذين معه بداخلها، وعلى المارة والمركبات الأخرى، ومثل هذه المخالفة هي التي تستحق غرامة أعلى مع منع مرتكبيها من الاستمرار في القيادة. إن الغرامات الفورية في دنيا المرور معمول بها في دول العالم، ولكن ليس بهذه الغلظة والتشدد، إذ يتم إبلاغ السائق بالمخالفة، وقيمة المخالفة، وله أن يدفع على الفور أو يعتذر عن تمكنه من ذلك، فيحمل معه إيصال المخالفة، ويدون شرطي المرور المخالفة في مستنداته ويتم إدخال ذلك في جهاز الحاسوب مع تفاصيل بيانات العربة، ولصاحبها فرصة الذهاب إلى مكتب المرور لتسديد ما عليه من التزامات متى ما توفرت لديه الإمكانات المادية، وإذا لم يقم بذلك فهو يعرف أن قيمة هذه المخالفات في انتظاره عندما يذهب لترخيص المركبة في موعدها المحدد، فإذا دفع، قامت السلطات بترخيصها، وإلا تم حجزها لأنها غير صالحة للمرور بعدم الترخيص، وتقديري أن هذا نظام عملي وحضاري وليت سلطات المرور قامت بتطبيقه بدلاً عن الطريقة المتبعة حالياً، ففي الحالة الدولية لا تحجب الشرطة رخصة القيادة عن صاحبها، ولا تأخذ رخصة المركبة، ولا تنزع لوحاتها، فتلك صلاحيات وسلطات قضائية، وطريقة شرطة المرور المطبقة تتطلب من كل سائق مركبة خاصة أو عامة، أن يحمل في جيبه مبلغ الثلاثين جنيهاً حتى ولو كان ذلك على حساب مصروف البيت في ذلك اليوم، وباللائحة الجديدة ترتفع الفئة إلى خمسين جنيهاً كحد أدنى، وهو مبلغ كبير يوفر للأسرة اللحم والخضار والسلطة والخبز والفاكهة الشعبية (الموز)، وربما ثمن الفطور لتلميذ وتلميذة. نقدر الجهود الكبيرة التي تبذلها شرطة المرور لتسهيل حركة انسياب السيارات، خاصة في أوقات الذروة والتي أصبحت على مدار النهار وساعات من الليل، وفي أيام المناسبات كأعمال التفويج في الأعياد، ولكن ذلك لا يعفيها من أن تدلي برأيها في بعض الشؤون الهندسية المرتبطة بانسياب حركة سير المركبات، فانظر مثلاً إلى كوبري شمبات بعد إعادة تأهيله فلم توفر هندسته أي منعطفات جانبية في اتجاهي الكوبري للاستفادة منها في حالة حدوث أي عطل مفاجيء في السيارة، ثم الفاصل الحديدي بين الاتجاهين يشكل حمولة إضافية على الكوبري الذي تمر من فوقه أعداد كبيرة من السيارات وبأنواعها المختلفة، فربما في هذا تهديد مباشر لسلامة الكوبري- الحمولة الزائدة- وعدم وجود لافتات توضح مسارات الطرق وإلى أين تؤدي، ويظهر ذلك جلسياً عندما تعبر أي من الكباري في ولاية الخرطوم وفي أي من الاتجاهين فتجد نفسك في حيرة، فصار من المعروف أن (السواقة) في الخرطوم بالحفظ، بينما في أي مدينة في العالم تستطيع أن تذهب إلى أي مكان تريده باتباع الإشارات وقراءة اللافتات، فلا توجد مثلاً إشارة واحدة على أية لافتة توضح أن هذا الطريق يقود إلى مدينة مدني. نقدر أن ازدياد عدد الحافلات وظهور عربات الهايس، ثم الأمجاد وأخيراً الركشات، جعلت الحاجة شديدة إلى السائقين، فجأت طبقة الشباب وعديمي الخبرة، وبعضهم يسيء الأدب إلى غيره (يا حمار.. يابليد)، وأحياناً المشاجرات والتشابك بلأيدي، فضاقت بهم ولاية الخرطوم بما رحبت، فصارت الحافلات إمبراطورية، والهايسات مملكة، والأمجاد دولة، أما الركشات فحدث ولا حرج، وهذا ذاته أدى إلى الحاجة إلى استيعاب أعداد كبيرة في الشرطة. ومما يزعج أيضاً يا رجال شرطة المرور، هذه العربات من الكارو تحت قيادة أطفال دون سن العاشرة في أماكن الازدحام، بينما من المفترض أن يكونوا في أسوار المدرسة، وعليه نرجو من وزارتي الرعاية الاجتماعية الاتحادية أو الولائية- أيتها ذات الاختصاص- دراسة حالات هؤلاء الأطفال، ثم مرور الكارو بعد مغيب الشمس، وفي زمن مضى إذا أجبرت الحالة صاحب عربة الكارو من استعمالها ليلاً، كان عليه أن يضع لمبة مضيئة (فانوس) في مؤخرة العربة لتكون بمثابة (النور الخلفي) فيرى ضوءها من هو خلفه- هل من عودة لهذه الممارسة؟... وتقديري هو أن يسمح لمن يود أن يقود عربة كارو بعد بلوغ سن الثامنة عشرة شأنه في ذلك شأن من يحق له الحصول على رخصة قيادة عربة، ولابد من الاهتمام باللافتات في طرق المرور السريع التي توضح المنعطفات والمضبات، ووضع عاكسات أنوار في الأماكن الخطرة، ولوحات عليها أسماء المدن والقرى وبعدها من بعضها البعض، وكتابتها بخطوط عريضة تمكن من قراءتها من مسافة بعيدة، وعلى شرطة المرور السريع مراقبة الحفر في طرقها والإبلاغ عنها وربما صيانتها بأسرع ما يمكن.. وبالله التوفيق.