تقرير : يوسف عبد المنان تعددت مداخل صورة المشهد الراهن لجبال النوبة.. والتي أُعلن عن تعداد لسكانها بلغ «2» مليون ونصف المليون، وانتخابات لاختيار المجلس التشريعي في أبريل القادم، واختيار والي برغبة الأهالي.. وعلى عنق المجلس التشريعي إجراء المشورة الشعبية المتفق على كيفية إجرائها والمختلف حول مضامينها.. وبعيداً عن السياسية وقريباً منها بطرق أخرى تعود الأفراح التي صادرتها سنوات الحرب من خلال احتفالية (السبر) الذي يمثل التاريخ النوبي القديم المتجدد من خلال نزع مظاهر الوثنية والاعتقاد في (الآلهة) المعروفين (بالكجرة والكجور) وتقديم احتفالية (الأسبار) كعيد للحصاد يأخد منحىً ثقافياً يجمع مكونات جبال النوبة ولا يفرق بينها!! قلق وشكوك وأسئلة في مخيلة أهالي جبال النوبة عن مصير أبناء المنطقة المختلف حول أعدادهم والمنضوين للجيش الشعبي، بعد أن حسم الجنوب سياسياً خياره بالانفصال ولم يتبق إلا إضفاء المشروعية الدستورية على الانفصال من خلال عملية الاستفتاء.. وهل يعود ال«18» ألف من أبناء النوبة حسب تقديرات في الحركة الشعبية وأقل من ذلك بكثير حسب إفادات رئيس الحركة الفريق سلفاكير ميارديت، وصمت قيادات النوبة الآخرين والمتوجسين من المستقبل وأكثرهم من قيادات الوطني الذين قدمتهم تجربته منذ «20» عاماً.. والمنضوين لأحزاب أخرى ووجدوا أنفسهم بعيداً عن دائرة الفعل.. النقل والطيور المهاجرة: منذ أسبوع تقاطرت صوب مدينة الدلنج أفواج لأبناء النوبة من الناشطين اجتماعياً وثقافياً في ولاية الخرطوم التي تتمدد في أطرافها وقلبها ولاية أخرى هي جنوب كردفان الاجتماعية، وخاصة أبناء النوبة الذين لهم تاريخ في الجندية السودانية.. صفحات من التاريخ المضئ المشرق ولهم في الموسيقى رصيد منذ د. جمعة جابر وموسيقى القوات المسلحة، ولهم في الطيور والمزامير نصيب ولهم في حركات التغيير والانقلابات الناجحة والفاشلة تاريخ، ولهم في كرة القدم من سبت دودو وحامد بريمة وكمال عبدالغني وكندورة ونميري سكر حظ ذكر الذي يعادل حظ الاثنين في شريعة الميراث، وبذلك شكل النوبة مع الآخرين وجدان أهل السودان.. ينتمي النوبة ثقافياً واجتماعياً وجغرافياً لكردفان بوسطيتها التي زاوجت ولاقحت بين الثقافات العربية والزنجية، ويمثل نصيب النوبة في الثقافات التي رفدت بها كردفان الوطن الكبير ما هو جدير بالتأمل والدراسة وقد تبدى أثر الإسلام في جبال النوبة وتأثيره على الثقافات المحلية في (عادة) (السبر)، وهو احتفالية كانت تقام في نهايات فصل الخريف وبدايات فصل الحصاد، وتعرف (بسبر) اللوبيا الذي يعتبر من البقوليات سريعة النضج وهو غني جداً بالبروتينات ويمثل عنصر غذاء مهم .. ü النوبة (الأما) أو «النمانج» يعتبرون مجموعة ثقافية ولغوية مميزة جداً نالت حظاً مبكراً من التعليم وجلس على كراسي الأستاذية بجامعة الخرطوم رموز من هذه القبيلة كالبروفسير الأمين حموده والبروفسير هنود أبيه، وفي قيادات الجيش إبراهيم نايل إيدام ومحجوب كجو وأمين بشير فلين والفريق عوض خير الله والفريق عوض سلاطين.. وقرية النتل الواقعة غرب مدينة الدلنج تمثل النافذة الثقافية بإقامة احتفالية (السبر) بها كل عام في مثل هذه الأيام، وتداعى لاحتفالية هذا العام الناشطون في أوساط الجاليات النوبية من الولاياتالمتحدة واستراليا وكندا والمانيا، ومن ولاية الخرطوم التي تمثل مركز نشاط لشباب القبيلة ممثلة في المحامي صابر حبيب عجالة الذي شكل انضمامه للمؤتمر الوطني كسباً كبيراً والأستاذ جبرالدار (مندى) والمهندس رمضان شاويش، ونسجت الأستاذة ماجدة نسيم نائب رئيس المجلس التشريعي بولاية الخرطوم علاقة تواصل مع الناس والأرض، وماجدة كثمرة لكردفان الاجتماعية أسهمت في إعادة إحياء مشروعات الثقافة التي يتولى مولانا أحمد هارون إحيائها بجهد ذاتي بعد أن تخطى الوزارة الاتحادية المنكفئة على نفسها !! تناثرت جموع وحشود المواطنين في قرية النتل التي تقول الأسطورة إن بها روح الجد الأول لكل النوبة، ومنها تفرعت البطون المتعددة حيث غابت روح الجد وترك الأبناء لتعمير الجبال التي يشاع أنها «99» جبلاً، لكن الواقع يقول إنها أكثر من ذلك أضعافاً مضاعفة.. الكل في صباح السبت ينتظر الاحتفالية.. من مظاهر رقص وغناء ومصارعة ومعارض تراثية وأسواق للتجارة جذبت إسحق فليب عباس غبوش من الولاياتالمتحدة ليعود لمواطن أهله النوبة ببشرته السمراء فالأم من الفراعنة في مصر والوالد من قلب حجر السلطان عجبنا الذي صارع الإنجليز من أجل التحرر فدفع ثمن الثورة نفياً لأرض الكنانة وجاء الشباب والشابات من الخرطوم ودمدني.. يشكل وجود السلطة رمزية تصالحاً بين السلطة والمواطنين بعد سنوات من القطيعة والتوجس، وفي النتل غربت شمس الحزبية لا مؤتمر وطني يرفع شعاراً ولا حركة شعبية تثير ضجيجاً، ولا حزب أمة يتحدث عن الماضي ولا مؤتمر شعبي يجتر مرارات الأمس، ولا حزب قومي يحرض على الثورة.. كان الجميع يغنون بلسان ويطربون لمهارة المصارعين وفضيلة التسامح والأخلاق، الخاسر هنا يحمل المنتصر على أكتافه ويطوف به على الجماهير.. والوالي أحمد هارون يعلن طيْ ملف الصراعات القبلية وعقد آخر مؤتمر للمصالحات بين النوبة الكواليب والحوازمة دار علي في كادقلي ويلمح لمشروع ثقافي لإحياء تراث المنطقة يجد حظه في خطة حكومته للعام القادم ويقول نقدم لأهل السودان كل هذا الجمال والإبداع لأننا أهل ريادة وثقافة.. أنت مصيرك (تستنيني): في مناقشات النخب وقيادات جبال النوبة هموم وقضايا في غاية التعقيد والإثارة، وبدأ انفصال الجنوب واقعاً يلامس حقائق الأرض، بيد أن خيوطاً متشابكة تجمع المنطقة بالجنوب من حيث الجغرافيا حيث الجوار مع ولايات أعالي النيل والوحدة وشمال بحر الغزال و واراب والجوار السياسي، حيث ضمت الحركة الشعبية لصفوفها الآلاف من شباب النوبة، وقاتل الجنود والضباط في الجيش الشعبي من النوبة في كل المعارك التي خاضتها الحركة الشعبية، حتى أصبحت معادلة يصعب تحقيق السلام دون إشراكها. وتمدد الحركة شمال حدود 1956 نسج خيوط النضال المشترك مع منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة.. والفراق حاصل لو يرضى أهل السودان أو يرفضون لأن إرادة الأغلبية غالبة، فإن الأسئلة المشروعة حول مصير أبناء جبال النوبة في صفوف الحركة يثير الحزن والإشفاق لدى كل من هو حريص على استقرار ما تبقى من الوطن المنقسم لدولتين!! القيادي مكي علي بلايل يستبعد أن يتم تبادل النوبة مع الجنوبيين في المؤسسات العسكرية الشمالية كما جاء في إفادات سلفاكير ميارديت رئيس حكومة الجنوب، ويرجح أن تبقي الحركة أبناء النوبة من العسكريين تحت إبطيها حتى يطمئن قلب الجنوب أن الشمال لا يمارس سياسة الأذى المتبادل، ولكن مكي بلايل يرهن استقرار جبال النوبة بمخرجات المشورة الشعبية من حيث استجابتها لمطالب المنطقة وحلها من خلال المفوضية التي يشكلها البرلمان الولائي الذي سيتم انتخابه في نيسان أبريل القادم، ولم تغلق الحركة الشعبية الأبواب وتحتكر قضية وجود الآلاف من أبناء النوبة في الجيش الشعبي واعتبار القضية خاصة بها، بل فتحت أبواب الحديث عن المستقبل وهل للحكومة في الخرطوم خطة لاستيعاب هؤلاء الشباب الذين أصبحوا ضحية لما حدث وما يحدث، وكانت أشواق هؤلاء في سودان موحد آمن ومستقر، لكن رياح السياسية وتراجعات الحركة الشعبية عن الوحدة جعلت خيار الانفصال مرعباً جداً لأبناء النوبة في الجيش الشعبي ومرعباً لأبناء النوبة في الداخل، حيث شبح الحرب يلوح بين الشمال والجنوب ولا تندلع الحروب بغير مسرح للعرض وجبال النوبة ينظر إليها بمسرح وأد الأحلام.. لكن مولانا أحمد هارون زرع بذرة الأمل من خلال مشروعات تنموية تجعل الكثيرين أقرب للإجابة بنعم الاتفاقية حققت الكثير من تطلعات سكان جبال النوبة..الطرق تتمدد واستاد مرتا يماثل استاد المريخ بأمدرمان، ووزارة الطاقة تعلن عن زيادة إنتاج البترول «50» ألف برميل في اليوم من حقل بليلة بولاية جنوب كردفان وهي تمنح الأمل لسودان ما بعد التاسع من يناير 2011م... ونعود.