)الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ...) . وإذا كان الله قد منح الجدال في الحج فلا يمكن أن نتجادل في أمر من يدير الحج، لا بد لنا أن نقر بأن الحج عبادة ليس كل العبادات، لأنه مربوط بالاستطاعة والتي تعني الاستطاعة المالية والجسدية في آن واحد. واقتضت حكمة الله ورأفته بعباده أن جعل أداء الحج كركن خامس من أركان الإسلام مربوط بالاستطاعة، فمن لم يستطع فلا حرج عليه، هذا مدخل مناسب للحديث عما يدور من صراع بين الدولة ممثلة في وزارة الإرشاد والتوجيه وإدارة الحج والعمرة وبين القطاع الخاص ممثلاً في وكالات السفر. أن أدخل في الحديث عن هذا الأمر لا بد أن أقر ومن واقع ممارسة عملية، بأن الحد قد شهد تطوراً ملحوظاً لا تنكره عين، فقبل عدة سنوات كانت معاناة الحجاج السودانيين كثيرة في السكن والترحيل والإعاشة وبعد أن قامت الدولة عبر الجهات المختصة من وزارة الإرشاد والوزارات الولائية المعنية بالإشراف على الحج وتنظيمه شهد نقلة كبيرة وأحدثت تغييراً في واقع الحاج السوداني ولا بد أن نعترف بأن تجربة القطاعات كانت تجربة مفيدة وهي الأخرى أحدثت اختراقاً واضحاً، وأدى التنافس بين القطاعات إلى مزيد من التجويد، وتم ابتكار وسائل جديدة متمثلة في النقل والمشاعر وكانت تجربة الإعاشة تجربة رائدة خاصة في قطاع الخرطوم كما كانت فكرة الرد الواحد وتطوير مخيمات منى وعرفات دفعة قوية نالت رضا الحجيج، ولا بد أن نقول إن تجربة القطاع الخاص ممثلاً في الوكالات وما عرف بالحج السياحي تجربة رائدة تضاف إلى مسعى تطوير الحج وراحة الحاج، في المقابل لا بد أن نذكر أن التجربة صاحبتها بعض السلبيات على رأسها النقل الجوي والبحري والذي لا بد أن نشهد أنه أحدث تطويراً كبيراً وتقدماً من عام إلى عام، ولكن ضعف الإمكانات وقلة النواقل البحرية والجوية كانت سبباً في بعض الإخفاقات. كما أن الإسكان وخاصة في مكة كانت له بعض السلبيات وهذا لا يحسب على إدارة الحج بكل مشتقاتها، لأن الإزالة وتوسعة الحرم المكي أدى إلى بعد المساكن ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الصراع وتداخل الاختصاصات بين إدارة الحج والقطاعات كان له الأثر السلبي في هذا المجال. كما أن تعسر التحويل من بنك السودان مثّل أيضاً عائقاً في ظل شح العملة الصعبة وتوفيرها. نعود إلى ما بدأنا به من أن الإشكال القائم والصراع الحادث بين إدارة الحج والعمرة الاتحادية وبعض الإشكالات مع القطاعات وخاصة قطاع الخرطوم، سببه الرئيسي هو الخلل في تحديد الاختصاصات، فالإدارة العامة للحج والعمرة ليس من اختصاصاتها الدخول في العمل التنفيذي المباشر وإنما في القيام بتمثيل الدولة في تجويد حصص الحجاج والضوابط المطلوبة، إذا أخذنا في الاعتبار أن وزارة الحج السعودية تتعامل مع جهة واحدة فقط مع أنني أعتقد أنه يمكن إقناع وزارة الحج السعودية بالتعامل المباشر مع القطاعات وذلك بتفويض من الإدارة العامة. كما أن تدخل الإدارة العامة في اختيار المساكن أمر ينبغي أن تعطي فيه القطاعات حرية أكبر وحتى في التحويلات البنكية فإن إعطاء القطاعات المساحة والحرية في التعامل مع بنك السودان ومع البنوك الداخلية، أمر مفيد وقد كانت لقطاع الخرطوم تجربة رائدة في هذا الإطار. لا بد وكما قلنا في البداية من الانتقال إلى خصخصة الحج، وهذا لا يلغي دور الدولة ممثلة في الإدارة العامة وفي القطاعات، لأن من واجبها وضع الضوابط والإشراف على تقديم الخدمات ووضع الشروط لمنح التراخيص للوكالات ومحاسبتها في حالة الإخلال، لأن التخصيص يرفع عن الدولة العبء الأكبر ويجعلها في موقع الإشراف المباشر، ولكن لا يستقيم أن تقوم الدولة بالتنفيذ ومن ثم تحاسب على التقصير، ويمكنها أيضاً وضع سقف بعد الدراسات اللازمة لتحديد التكلفة المناسبة مع أننا ذكرنا أن الحج استطاعة، وإذا علمنا فإن الحج أصبح في كثير من جوانبه مظهراً اجتماعياً أكثر منه دينياً، ونجد أن هناك من يحج للمرة الأربعين، لذا فإن حرية الاقتصاد وحرية العمل أمر ينبغي أن تساعد الحكومة عليه. لا بد أن نكون منصفين، فإن حرمان القطاع الخاص في أي نشاط هو قليل لحركة الاقتصاد وهو تشريد للعديد من العاملين في هذا المجال. حسناً فعل السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية حين عطل وجمد القرار القاضي بإبعاد الوكالات من العمل في الحج، وهو قرار اتخذ دون دراسة وعلى عجل، كما أن الأمزجة الشخصية ينبغي ألا يكون لها مكان ولا الخصومات الشخصية خاصة ونحن بشأن شعيرة مهمة وركن خامس من أركان الإسلام. وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق بالخرطوم.