أتمت الحرب العراقيةالإيرانية عامها الثامن، تسكن حفيف المجنزرات، وازيز صواريخ الاكسوسيت والطائرات السوبر ايتاندر الفرنسية، ووضعت أوزارها قبل أن تحدد بشكل قاطع الطرف المنتصر في أطول حرب في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.. والمتتبع لسير هذه الحرب منذ بدايتها في سبتمبر1980 . يلحظ أنها إتخذت عدة جولات لم تحدد فيها الغلبة لأحد طرفيها بشكل قاطع .. إلا أن العراق امتلكت زمام الموقف عند بدايات إحتداد المعارك .. حتى أن الرئيس العراقى إقترح وقف إطلاق النار ..ورفض الخميني ذلك.. وقد تنوعت فصول هذه الحرب المدمرة واتخذت أشكالاً قبرت معها معاني الإنسانية.. وأبجديات وأسس النزال .. فقد تسابق الطرفان في استهداف المدنيين.. ومحاولة العراق محاربة إيران أقتصادياً عن طريق حرب الناقلات البترولية في الخليج العربي... الإحصائيات التي أعقبت وقف إطلاق النار عن الخسائر بأنواعها البشرية والمادية تجعل كل من له عينان في رأسه يفكر ملياً قبل أن يتورط في مغامرة مماثلة .. ولكن أبو الجاسم ( صدام حسين ) _ بلغ درجة من الغرور والزهو درجة لم يسبقه أحد من الرؤساء الحاليين والغابرين، ولما يبقى له من الألوهية والتأله إلا النذر اليسير .. يظهر ذلك جلياً في المناسبات التي خصصت لتمجيده ‘كعيد ميلاد سيادته.. عندما يمتطىء الخيل .. ويستعرض مواهبه كفارس مغوار لا يشق له غبار، أو عندما يعبر نهر دجلة سباحة في ذكرى إستيلائه السلطة .. ويبدو وكأنه أعتقد خالصاً بأن الدنيا بقبضته لا ينافسه أحد.. في فاتحة أغسطس من عام 90 .. ومع أول ضوء (تعبير عسكري) في صبيحة اليوم الثاني منه .. تحركت الآلة العسكرية العراقية المهولة، بكامل عتادها وإرثها العسكري صوب دولة الكويت الأمنة وآلتهمتها وعقارب الساعة لم تتجاوز ضحى ذلك اليوم .. والذي سيدرج بأنه يوم الخزىء الأسود للعرب والمسلمين.. وبأنه يوم الفزع لأمة مدت أياديها البيضاء لكل الإنسانية باختلاف سحنها وأديانها وعروقها .. ووظفت إمكانياتها لخدمة دول العالم خاصة الفقيرة منها .. ويوم التشتت والضياع للرعايا والمقيمين.. وبدلاً من تمتعهم الأسري حول أكواب الشاي والقهوة .. فوجئوا بإهتزاز حوامل معدات الإفطار أمامهم.. إنفجارات وأزيز طائرات تصم الأذان .. وخلال بضع ساعات أصبحت دولة الكويت محافظة من محافظات جمهورية العراق تحمل الرقم 19 . وقد رمت بنا الأقدار لنكون شهود عيان لمأساة الهاربين من جحيم الغزاة، من مواطني دولة الكويت والرعايا وقد خلصوا نجيا.. تاركين حصاد غربتهم خلف ظهورهم .. مكتفين من الغنيمة بالإياب .. رغم سنوات الكد والشقاء، وجحيم الغربة والإغتراب، لذلك فقد رأت المنظمة الدولية التي تمثل المجتمع الدولي تعويض المتضررين من جراء هذا الإحتلال الغاشم لدولة مسالمة.. تؤدي ما عليها من واجبات بتجرد ونكران ذات... على أن تكون هذه التعويضات خصماً على الدولة المعتدية.. بعد أن تم تطهير أرض الكويت من دنس الإحتلال بتحالف دولي.. وطرد الغزاة كما طرد الفرد رجال الشمال من أراضي الطواحين الهوائية، وفي رأي الخاص إعتقد جازماً بأنه مهما بذلت الأموال بشتى المصوغات والتعريفات فإنها لن تتساوى بقدر الأهوال والرعب التي سكنت القلوب وخاصة الأطفال والنساء .. ومع ذلك فإننا نسمع بين حين وآخر أنات وصرخات هؤلاء المتضررين واحتجاجاتهم جراء تأخير صرف بعض من استحقاقاتهم أو ما تبقى منها، نأمل أن تسكن روع هؤلاء الملتاعين ويكفي ما عايشوه من خوف ورعب .. والله من وراء القصد.