٭ كرسي (الوزارة) في بلادنا يختلف عن كل بلاد الدنيا، فالذين يجلسون عليه يقبضون عليه قبضة حديدية ولا يتركونه إلا مجبرين، لذلك فإن خبر إستقالة وزيرعندنا - وهو لم يحدث إلا نادراً- هو خبر تحتفي به ( الصحافة) على صدر صفحاتها الأولى، ويكون الموضوع الأهم عند كل كتاب (الأعمدة والزوايا الصحفية) لفترة من الزمان، بحثاً وتحليلاً لتلك الحالة النادرة ندرة الماس في الصحارى، وتظل تلك الحالة أيضاً حديث الناس في مجالسهم ردحاً من الزمان، ويظل الوزير المستقيل عندنا مضرباً للمثل تتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل ٭ أشهر استقالة لوزير في بلادنا إحتفلت بها الصحافة وأصبحت حديثاً لمجالس المدينة وظل صاحبها مضرباً للمثل في التجرد والأمانة هي استقالة وزير التجارة الأسبق الدكتور محمد يوسف أبو حريرة إبان حكومة الائتلاف في فترة الديمقراطية الثالثة، والتي دفع بها طوعاً لريئس الوزراء حينها الصادق المهدي، بعد إعتراضه على سياسات الحكومة وإتهامه لها ولحزبه (الإتحادي الديمقراطي) بالتساهل في قوانين الفساد وحمايتهم لجشع التجار ومن أسماهم ب (طفيليي السوق)، وفي عهد هذه الحكومة كانت الإستقالة الأشهر والتي شغلت الرأي العام أيضاً هي استقالة وزير الإعلام عبد الله مسار من منصبه إحتجاجاً على إلغاء رئيس الجمهورية لقراره القاضي بإيقاف مدير وكالة السودان للأنباء. ٭ ولأن حالات استقالات الوزراء عندنا نادرة جداً لذا فإن حدوثها يعتبر خبراً مثيراً ومدهشاً للمواطن ..وفي بلاد الدنيا المتحضرة استقالة الوزير تعتبر سلوكاً عادياً يمارسه الشخص لإحساسه بالمسوؤلية، ولايندهش له المواطن، ففي اليابان مثلاً استقال وزيرالاقتصاد أكيرا أماري بعد تعرضه لإتهامات تتعلق بسوء التصرف المالي، وفي بلجيكا حدثت أسرع إستقالة لمسؤول رفيع في الحكومة حيث استقال رئيس الوزراء البلجيكي بعد أربعة أشهر فقط من توليه المنصب ..أتدرون ماذا كان سبب الاستقالة ؟ فقد شعر الرجل وبعد (كل هذه المدة) أربعة أشهر كاملة أنه فشل في تحقيق الوفاق بين المواطنين المتحدثين بالفرنسية والمتحدثين باللغة الهولندية فيما يتعلق بتعديلات دستورية في هذا الصدد. ٭ هذه نماذج فقط حول كيف يتعامل المسؤولون في تلك البلدان المتحضرة مع الوظيفة العامة ..وعربياً وافريقياً أيضاً كانت هناك حالات استثنائية وجريئة في هذا الصدد، فقد استقالت وزيرة الصحة الكويتية الدكتورة المعصومة المبارك لاستشعارها المسؤلية عن وفاة شخصين في حادث حريق في إحدى المستشفيات.. واستقال أحد وزراء الكهرباء في العراق بسبب احتجاجات المواطنين على قطوعات الكهرباء. ٭ ورغم تشابه الحالة المصرية مع بلادنا إلا أن مصر عرفت خلال تاريخها نماذج عديدة من استقالات الوزراء لتحملهم مسؤولية الأخطاء، أو لاحتجاجهم واعتراضهم على سياسات حكومية تضر بالمواطن، فقد استقال وزير الخارجية في حكومة السادات إسماعيل فهمي إعترضاً على قرار السادات بزيارة إسرائيل عام 1977 لأنه كما قال إن هذا سيضر الأمن المصري وعلاقات مصر مع العرب، واستقال أيضا وزير النقل المصري محمد منصور في عهد الرئيس حسني مبارك عقب حادث تصادم قطارين جنوبالقاهرة بسبب جاموس أدى إلى وفاة 18 قتيلاً، وفي حكومة مرسي استقال نائب رئيس الجمهورية محمود مكي وعدد من مستشاري الرئيس مرسي، ووزير النقل المهندس محمد رشاد على خلفية كارثة (قطار أسيوط)، وفي تنزانيا استقال وزير النقل البحري بعد وفاة 78 شخصا بسبب غرق باخرة في أرخبيل زنجبار في تنزانيا ٭ في سوداننا الحبيب يموت الناس بالعشرات (موت الضأن) بسبب الحوادث المرورية ولا يقشعر (جلد) الوزير الذي لم يسو لهم الطريق، ويموت الناس بالعشرات بسبب الوبائيات والأمراض ويقلل الوزير من الحدث ويتهم وسائط التواصل الاجتماعي بتهويل الأمر.. وفي سوداننا الحبيب يموت العشرات بسبب الأخطاء الطبية وبسبب إنهيار المباني على روؤس ساكنيها وغيرها وغيرها من اسباب الموت الجماعي، وبرغم ذلك يظل الوزراء عندنا (مكنكشين) في كرسي الوزارة.