نحمد الله ونشكره كثيراً على نعمه العظيمة الكثيرة، ما علمنا منها وما لم نعلم، ومنها أن وهبنا الأبناء (من الجنسين) ونحمده ونشكره أكثر على ستره وتوفيقه إيانا في تربيتهم وتعليمهم، وتوفيقه إياهم بانجاحهم.. يفرح الأهل كثيراً لإكمال الأبناء دراساتهم ويتطلعون إلى الفرح الأكبر حين إكمال نصفهم الحلو، فيهم تكون استمرارية الحياة، وندعو الله أن تقر الأعين بهم وتستمر الأفراح آمين. بحضوري ومعايشتي لبعض حفلات تخريج الأبناء من الجامعات والتي لا شك أنها مناسبات سعيدة إلا أنني لا أقرها بصورتها الحالية، بل أجدها إحدى البدع التي غزت مجتمعنا السوداني المحافظ.. صارت حفلات التخريج لا تقل أو تختلف عن حفلات الزواج كثيراً.. قبل أيام وفي أم درمان قابلتنا قبيل المغرب قافلة من العربات تحمل خريجين من الجنسين(بلباس) التخريج.. السيارات تطلق أبواقها بأصوات عالية متقطعة كالتي نسمعها عند قدوم العروس.. هذا فى الطريق الرئيسى العام.. ورأيت إحدى الفتيات تبرز من نافذة إحدى السيارات خارجاً (إلى ما تحت وسطها) وهي تلوح(بكاب) التخريج!؟ إقامة هذه الاحتفالات يعني إرهاقاً مادياً وجسدياً للمتخرج وأهله والمدعوين ولأصدقائهم وإرهاقاً للأساتذة أنفسهم.. الطالب المتخرج يظهر بالبدلة الكاملة، أما الفتاة فلابد -كما رأيت- أن تشتري فستاناً فاخراً(كما في مناسبات الزواج) ومعه ملحقاته(الاكسسوارات).. ولابد من زيارة(الكوافير) لترتيب شعرها وبعض (التذويق) لتكتمل الصورة قطعاً ليس كل الأهل يستطيعون تحمل هذه النفقات، ولكنهم يريدون إسعاد ابنتهم ولا يريدون لها أن تحس بأي نقص عن باقي المتخرجين من الجنسين. لقد صار الأمر فرض عين، إضافة إلى هذا فإن على الأهل تجهيز متطلبات حفل العرس(أقصد حفل التخريج) هذا، من حلويات ومخبوزات ومكسرات ومشروبات مثلجة.. الخ.. أقسم بالله أنني رأيت أسرة تناولت الفاكهة ثم وزعت لأفرادها صناديق الوجبات الجاهزة!؟ وأرجو ألاَّ تنتشر هذه الظاهرة أيضاً! وطبعاً كان واجباً على الأهل والمدعوين الحضور باكراً إلى النادي-أو الصالات- محملين بالأكياس الضخمة والمقاطف المزينة وحاويات التقديم.. لزوم واجب الضيافة!! أما المشروبات فقد فقدت برودتها.. البوابات فتحت للدخول بعد زفة الخريجين وكانت بفرقة نحاسية صاحبتهم بأنغام عذبة، وهم بزيهم الأحمر والخريجون بأثواب التخريج السوداء وسط زغاريد النساء التي شقت عنان السماء فكانت جميلة. وأحب هنا التنويه إلى موضوع بطاقات الدعوة -حتى إن توفرت- وما يتبع هذا من لوم و (زعل) من بعض الأحباب ممن لم تصلهم دعوة وبالذات حزب (نون النسوة).. فالخريج/ الخريجة تتم إذاعة اسمها مع نبذة قصيرة تشمل اسم والدتها ومكان وتاريخ ميلادها، المدارس التي تلقت تعليمها بها قبل الجامعة ثم أبيات أنيقة من الشعر في حقها.. ثم يبدأ بث الأغنية التي انتقتها لتصحبها نغماتها حتى استلامها للشهادة.. وهذا عند البعض كان خطوات وقورة.. راقصة بتهذيب.. وعند البعض الآخر (رقيص عديل.. حديث) يبدأ هذا من المكان المخصص للمتخرجين تزفها مجموعة منهم إلى مسافة قصيرة ويقوم الأهل بالصحبة المتبقية، وطبعاً ما بين عناق ومقالدة وزغاريد وتبشير بالعكاكيز عند البعض.. والأغنية مستمرة .. والقدلة من الخريجين وأهلها مستمرة على السجاد الأحمر المؤدي إلى المسرح، حيث يصطف الأساتذة (منتظرين وصابرين)، وفي المنعطف توجد مقصورة.. وجب الوقوف داخلها قليلاً ولا بأس من تركيز الرقص(شوية كده) لمن أراد، ثم التوجه إلى خشبة المسرح، حيث تبدأ هي وأسرتها بمصافحة الأساتذة وأرجو الاّ يكونوا قد نسوا شكرهم وسط هذا الضجيج (الراقص)! الأساتذة(مصلوبون) وقوفاً.. والآباء مدفوعون دفعاً والحضور مسمر على الكراسي والكل يشاهد هذه المظاهر وطبعاً الكاميرات تدور.. والموبالات تصور، وتوثق استلام الشهادات الذي لم يستغرق سوى دقائق معدودة، في حين أنه هو بيت القصيد!؟.. وصورة جماعية.. من ثم ينادي مقدمو الحفل على الخريج التالي ليتكرر المشهد بأغنية أخرى بوجوه مغايرة.. هذا ما يحدث في غالبية حفلات التخريج، حيث ينعدم فيها الطابع الرسمي المعروف إلا لحظة تسليم الشهادة، وسبب اختياري لبيت الشعر الذي جعلته عنواناً لهذا المقال هو أنه بنقدي للتخريج الجامعي فإنني انتقد أكثر منه ما لاحظته حين تطالع عيناي في الصحف ورود هذا البيت مكتوباً بصدد تهنئة أسرة أو معارف لتهنئة طفل (تخرج من الروضة) أي والله من رياض الأطفال! بل هو أحياناً يكون مصحوباً بصورة الطفل في زي التخريج!؟ أو يكون هذا البيت الشعري الذي يحكي عن نجابة الأبناء، يرد في تهنئة لطالب/ طالبة عند إعلان النتائج المرحلية، وقد تخطي مرحلته الدراسية وحصل على مجموع ضعيف، نسبته بالكاد تسمح له بكلمة (مرور أو نجاح).. يا قوم أي ترف نعيش فيه؟ يكتب كل هذا في الصحف، والتي هي إحدى المرايات التي تعكس أحوال الشعوب، وهو بذلك من المرجعيات حتى في تصنيف درجات النجاح في المجال المعني وعليه فإنني أتقدم بالآتي: 1/ نرجو من المسؤولين وإدارة الجامعات فرض الصيغة الرسمية فقط.. والجادة لكل احتفال بالتخريج من أي مؤسسة تعليمية على نطاق القطر، وبالتالي وقف الرقص والأغاني إلا ما كان تمجيداً للوطن.. ويبث بصورة هادئة كخلفية لحفل لتسليم الشهادات. 2/ أن يتقدم الخريج عند سماع اسمه وما يقدم عنه من نبذة.. ولا بأس من إهداء باقات الشعر المصاحبة ويتقدم في خطى رصينة ورزينة -وحده- لاستلام الشهادة من الأساتذة وشكرهم.. ثم العودة والجلوس في مكانه وسط المتخرجين حتى نهاية الحفل.. 3/ اقتصار الدعوة على خمس بطاقات فقط(أو حوالي كذا) لكل خريج-منعاً للإزدحام وتفادياً للوم والكلام.. 4/ عدم السماح بإدخال أي مأكولات أو مشروبات. 5/ تخصيص الجامعة(أو اللجنة الطلابية المنظمة للحفل) لشخص (أوجهة) مأمونة ليقوم بتصوير الخريج لحظة استلامه للشهادة أو صورة جماعية مع هيئة التدريس ولا بأس من لقطات عامة للاحتفال. 6/ التأكيد على حضور الخريجين من الجنسين بهيئة طلابية مقبولة.. ويمكنهم بعد الحفل أن يتزينوا ويحتفلوا ويرقصوا كما يشأءون أو يشاء أهلهم (كأمر يخصهم هم) . 7/ الالتزام من الجميع بمواعيد هذا الاحتفال الرسمي. خاتمة: لقطات من حفل تخريج: 1/ أولاً أهنئ ابنتي(ميسون) وكل خريج مع الأمنيات الدافقة لهم بمستقبل زاهر ونجاح في خدمة الوطن الغالي. 2/ أعجبتني جداً هذه الحميمية بين المتخرجين فيما بينهم، ومع أساتذتهم وحتى بين الأهل، وعامة الحضور. 3/ في ذلك الحفل رأيت السودان الحقيقي.. كل ربوع السودان كان هناك وكل متخرج كان هو ابن وأبنة لكل الحضور الذي صفق وأطلق الزغاريد وبشر دون تمييز.. وأعلى الزغرودات انطلقت من أخت من جنوب القطر. 4/ لفت نظري أن الأخوة الأعزاء من جنوب القطر.. يحملون أطواقاً منظومة من الورق المقصوص اللامع الملون.. وكذلك فردوا بعض الشمسيات الجميلة الملونة حملوها حتى خشبة المسرح.. 5/ كل الأغاني المصاحبة كانت سودانية ماعدا واحدة (أظن ذلك).. الأخوة من الجنوب صاحبتهم أغاني أعتقد أنها من المنطقة وبعضها تحمل النكهة السواحيلية. 6/ بعض الخريجين اشتركوا في اختيار أغاني للوطن، وبعضهم كرد جميل للوالدين تراوحت ما بين (أبوي إن شاء الله لي تسلم) و (أمي الله يسلمك..الخ). 7/ هذه مناسبة لنقدم شكرنا لكل من علمنا أو علم أبناءنا أو غيرهم حرفاً.. في المراحل الدراسية وفي مجالات التطبيق العملي المختلف بل في كل سبل هذه الحياة ونحني الهامات لهم إجلالاً وتقديراً. 8/ ونشكر كل من تكبد (مشاق) الحضور للمجاملة ومشاركة الأفراح.. والعذر لكل من لم تتم دعوته.. وإن شاء الله في مناسبات سعيدة أخرى تدوم على الجميع والوطن شامخاً موحداً وسامقاً بأبنائه ذوي الجباه العالية.