نجح زميلنا الأستاذ الطاهر حسن التوم في اصطياد خمسة من رؤساء التحرير، هم الأساتذة أحمد البلال الطيب، خالد التجاني، عثمان ميرغني، محمد لطيف، وكاتب هذه الزاوية، إلى جانب وزيرة الدولة للإعلام الأستاذة سناء حمد العوض، وهي صحافية ورئيسة تحرير تولت تلك المسؤولية، قبل أن تلتحق بمجلس الوزراء، وزيرة في وزارة الإعلام. نجح الأستاذ الطاهر حسن التوم في اصطياد تلك المجموعة بشبكة واحدة في برنامجه (حتى تكتمل الصورة) بقناة النيل الأزرق، وطرح سؤالاً جوهرياً تفرع إلى عدة أسئلة، انبنت جميعها على دور الصحافة في الراهن السياسي الحالي ومآلاته. لم أتوقع ردود الأفعال التي تلت البث المباشر للحلقة، إذ تلقيت عقب انتهاء البرنامج عدة اتصالات هاتفية من عدد من الزملاء والأصدقاء داخل وخارج الوطن، بعضها يتفق مع ما أدلينا به من آراء، وبعضها يختلف.. وهذه هي طبيعة الأشياء.. وطبيعة الحراك السياسي والصحفي والاجتماعي المرتبط بعضه ببعض.. ولم تنقطع ردود الأفعال مساء الاثنين موعد بث الحلقة، بل إمتدت حتى اليوم التالي (أمس) موعد إعادة بثها، وموضوع كل الذين هاتفوا أو تحدثوا إلينا مباشرة كان ينصب عند علاقة الحكومة بالصحافة، وهذا قطعاً لا تستعرضه حلقة واحدة، ولن يجيب عليه شخص واحد نيابة عن الآخرين، لاختلاف الرؤى والمدارس الصحفية والفكرية والفلسفية، إذ أن هناك تصور مسبق وصورة ذهنية ثابتة عن علاقة متوترة بين الطرفين. دور الصحافة ومنذ بداياتها الأولى في العالم، ثم السودان كان هو نشر الأخبار، ثم تطور الأمر إلى نشر المعلومات المفيدة، فالتعليق عليها من قبل الكتاب والصحفيين أو من قبل أهل الإختصاص، لذلك يصبح الخبر الصحفي هو أب شرعي لكل فنون العمل الصحفي، من تقارير أو تحقيقات أو مقالات أو أعمدة وزوايا راتبة يومية أو أسبوعية.. ومع انتشار الصحافة وقوة تأثيرها وجد رجال المال والأعمال مساحة للإعلان عن منتجاتهم الصناعية أو الخدمية، ووجد فيها أصحاب الأفكار والأنشطة المختلفة مساحة لعرض ما عندهم من خلال الطرح المباشر للأفكارأوالسياسات أو الإنجازات عبر التفاعل مع الصحافة بفنونها التحريرية المختلفة أو من خلال مساحات الإعلان التحريري أو ما يعرف بالمواد التسجيلية. ولم يكن السودان بعيداً عما يجري حوله في العالم، لذلك تطورت الصحافة بالمفهوم العام لكلمة (تطور)، التي تعني اختلاف الحجم والشكل والوظيفة، إلا أنها تضررت كثيراً من تدخلات الدولة المباشرة أو غير المباشرة، خاصة في العهود التي تضع فيها الدولة يدها على الصحافة، إن كان ذلك عن طريق رسم السياسات أو التأميم أو الرقابة، وقد سعد الصحفيون وجميع المشتغلين بمهنة الصحافة بالتطورات التي حدثت في مجالات التشريع، وجاءت بالقوانين المتناسلة حتى صدر آخر قانون معمول به للصحافة في يوليو من العام 2009م.. لكن هذا القانون نفسه فيه الكثير الذي يتطلب إعادة النظر، خاصة في فصله السابع المختص بالجزاءات والعقوبات، إذ أن الكثير منها يحاصر الصحافة والصحفيين ويوقع بالجميع في دوائر المحظورات، بل يمضي إلى أبعد من ذلك بأن جعل من العقوبة (عقوبة مزدوجة) يوقع إحداها مجلس الصحافة ويوقع الأخرى القضاء. الأمر يتطلب أن نعيد النظر في قانون الصحافة والمطبوعات الحالي من خلال ندوات وورش عمل تجمع الناشرين ورؤساء التحرير واتحاد الصحفيين ومجلس الصحافة والبرلمان.. بل يتطلب الأمر أن يسارع الاتحاد العام للصحفيين بالدعوة لمثل هذه الندوات وورش العمل، من منطلق حماية الاتحاد (المفترضة) لعضويته، إذ أن قائمة العقوبات طويلة يمكن أن تطال حتى المطابع، بينما لا يتضمن القانون في أي من فصوله ما يضمن دعم الدولة المباشر أو غير المباشر للصحف، سواء كان ذلك بتخفيض أو إلغاء الضرائب، أو تخفيض أو إلغاء الجمارك على الورق ومدخلات الطباعة.. الأمر باختصار هو أن للحكومة عصا وليس لديها جزرة.