انقضى عام آخر ..وها نحن على مشارف سنة جديدة ..نستقبلها كما الأخريات ..بشرا وترحابا..ونشرع نوافذ للأمل في قادم يكون أفضل ..حتى وأن تحققت أحلى الأمنيات في عام مضى! نقطع دروب العمر طويله وقصيره ..بحثا عن أهداف تختلف عادة ..ولكنها تلتقي في كونها أحلام توصل إلى غايات ..ونظل نرسمها جميعنا كلوحات إنتظار وسيم! على الصعيد الشخصي ..كل واحد منا ينظر إلى انقضاء العام من زاويته ..ولا يجوز التعميم ..وأحساسنا يتباين قطعا ..فهناك من يأسى على عام مضى كان هو كل المبتغي ..وآخر يتنهد تنهيدة وداع حرى ..زافرا معها كل مرارات أيام يتمنى أن لا تكون موجودة في أيام العام المقبل! أما على الصعيد العام ..فأعتقد أن الأمنيات تتدفق بغزارة على أرض الإنتظار المر ..لنعرف أين نقف ..هل هنا في سودان واحد موحد ..ولدنا فيه ولعبنا على أرضه وشربنا من نيله الطيب ..تسامرنا تحت أضواء نجومه وأقماره ..وتمتعنا بحر شمسه اللافحة ..وأمطاره تساقطت علينا ..منحتنا القدرة على الحب مرات ..وأبكتنا على آخرين مرات أخر! عند بدايات العام الماضي ..كنا ننظر إلى العام المقبل من وراء شرفات بعيدة ..وبوجل غير خاف ..وقلب تزداد نبضاته كل يوم ..وتسرقنا لحظات الحياة المثيرة ..فنذهب حينا إلى واقع تلك الأيام ..سرعان ما نعود مرة أخرى خوفا من عام قادم! ترانا سنكون هناك على ذات الأرض ..وبذات الحدود والتضاريس والجغرافيا ..والتأريخ المشترك ..ورحلات الأجيال ..ام سنكون بعيد حين على أرض لا نعرفها ..برغم أنها تحمل ذات الملامح القديمة ..ولكنها تحمل أيضا علامات لم نألفها.. نخشى أحبتي ..أن نجلس ذات يوم لأحفاد ونروي لهم عن قصص وطن كان هناك على ذاكرة التأريخ ..يصفه الناس بالإتساع وترامي الأطراف ..ونصفه نحن بالخصوصية والتعايش السلمي والحب .. نخشى أن تكون حكايات ما قبل النوم بعد سنوات تمضي ..كلها عن ضياع حلم محمد أحمد ..وتلاشي أحلام دينق ..وبكا الناس على تأريخ كان هو الأجمل على الإطلاق! نتوجس ونحن نخطو اليوم إولى خطوات العام الجديد ..ولا أدري لماذا يحتفل البعض ليلا ..وهم يودعون عاما على الأقل كنا نعرف من نحن ..وأين نقف..فهل هم فرحون بمصير غامض يتهدد الجميع! حبي لوطني ..لم يتجزأ يوما ..ومناداتي وعشقي لم تعرف معني للحدود ..تماما كما النيل الجميل ..يجري بتيه ويشق طريقه ..بقوة وفتوة تارة ..وبهدوء وجمال ..ودعة تارات أخر! حبي لوطني لم يعرف معنى التفاوض من أجل ترسيم الحدود ..ولم يكن في يومٍ حبا مبنيا على المجهول ..لأن معلومه كان يسرى مع النسيم العليل من الجنوب ..فيغشى الأنوف بالأواسط ..وينسرب بهدوء غربا وشرقا ..ويستقر في أنوف تعرف قيمة الحب شمالا! حبي لوطني ..لم يعرف يوما غير إتجاهات أدمن التسكع فيها ..والنهل من ماء وجدها الزلال ..بلا ملامح ..فهو حب لا يميز اللون ولا الدم ..ولا الأعراق ..إنما يعرف أن طريقه إلى قلب وطن واحد ..فلا يضله ..ولا يفقد بوصلة الوصول إليه أبدا! ومن أجل حبي ..أتوجه بالدعاء الصادق ..وابتهل في ليل نصفه ..أو ثلثه ..أو أزد عليه قليلا ..إلى الله العلي القدير ..القادر ..الواحد القهار الصمد ..ذي الجلال والأكرام ..أن ينتهي بنا العام إلى ما انتهى به عامنا الذي ودعناه بالأمس .. وبعد ذلك ..لنكتب عن الحب ..الجمال ..الثقافة ..الفن ..الفكر ..السياسة رغم كل شئ ..وعن الرياضة ..ولكن ليبقى لنا أساس كل ذلك!