الجزء الأول من واقع تناول ومتابعات المسؤوليات التي تقع أمام الصحفي، وهو يقوم بنشر أية مادة ليطلع عليها أفراد المجتمع في الداخل أو الخارج، فإن مثل هذه المسؤولية كان لابد أن يتم تحصينها بالقوانين واللوائح المختلفة، التي تمكن من أدائها على الوجه الأكمل، ولما كان رئيس التحرير في الصحيفة هو المسؤول الأول عن الأداء التحريري فيها، عليه فإن أمر اختيار رئيس التحرير كان لابد من أن تراعى فيه العديد من العناصر المهمة التي يجب توفرها في الشخص المختار لتلك المهمة، وهي عناصر تشمل التأهيل الأكاديمي والسمعة الطيبة، والمكانة الاجتماعية الراسخة، فضلاً عن الخبرات المتنوعة التي لابد أن تكون هي الأساس الأول لذلك الاختيار. وبطبيعة الحال فإن التأني والتقصي في اختيار رئيس التحرير يقود في النهاية إلى ضمان سلامة المواد التي تنشرها الصحيفة، خصوصاً وأن رئيس التحرير المؤهل سوف يعتمد في مهمته لقيادة التحرير في الصحيفة على صحافيين مؤهلين يختارهم هو بذات معاني التأني والتقصي، التي صاحبت اختياره وعلى هذا النسق تكون الحصيلة الإيجابية هي صحيفة معافاة من الأخطاء المقصودة وغير المقصودة تؤدي مهمتها تجاه المجتمع في سلاسة وسلامة أكيدتين، ولعل النماذج التي نعيشها في صحافتنا تؤكد ما رميت إليه عبر هذا التناول. وعلى أي حال فإن القوانين التي وضعت من أجل صيانة الكلمة قد ركزت على قيام المسئولية التي نحن بصددها، وتظل المسؤولية على الدوام هي الديدن لكل أداء معافى وخال من الأخطاء في كل المجالات، سواء أكان ذلك في مجال الصحافة أو الطب أو الهندسة، كلها وغيرها تحتاج إلى قدر عال من المسؤولية التي يتضامن من أجلها أهل كل مهنة سعياً وراء تحقيقها. ولقد لفت نظري أن القوانين الوضعية ركزت دائماً على ذكر لفظة المسؤولية حتى في حالة اقترانها بمعاني اللامسئولية، على سبيل المثال فإن هناك المسئولية التقصيرية التي تعني (كل خطأ سبب الضرر للغير يلزم من ارتكبه التعويض). وعناصر المسؤولية التقصيرية هي الخطأ والضرر وعلاقة السببية، وحين تجتمع هذه العناصر في الفعل أصبح الشخص مسؤولاً مسئولية تامة، إذا كانت تلك المسؤولية مدنية أو جنائية، وفقاً لدرجة الجرم وحجم الضرر، وهنا لابد أن أشير إلى أن قبل صدور قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 فإن القضاء السوداني ظل يوصف المسؤولية بأنها (مسؤولية عقدية) إذا كان الضرر الناشئ عن حق الالتزام طفيفاً و(مسؤولية تقصيرية)، إذا كان الضرر جسيماً وتمتد هذه لتصبح في النهاية (مسؤولية جنائية). ووفقاً لهذا الذي أورته فإن التقييم النهائي بواسطة المحكمة أو غيرها من جهات التحري والتحقق والتقصي يكون ذا طابع تقديري وفقاً لرأي الجهة المختصة.. إن الحقيقة الكبرى التي يجب أن نستند عليها دائماً أن النقد الصحفي يكون مطلوباً متى ما كانت المعلومات صحيحة ودقيقة عن موضوع الانتقاد، وإلا فإنه يعد قذفاً أو سباً تشهيراً أو أي من المعاني السالبة التي يقود إليها النقد الخالي من الحقائق، ومن بعد يأتي في الدرجة الثانية أمر حسن النية الذي هو - إذا كان متوفراً فإن التقييم يكون مختلفاً عما إذا كان النقد قد بني على سوء النية وسوء القصد. ولسنا هنا بصدد الجزاءات أو الأحكام التي يمكن أن تصدر في حالات تجاوز النشر، لأن ذلك مقاماً يعد أمراً مختلفاً له منابره وقواعده وأسسه. ولعلي أخلص إلى أن كل القوانين قد أجمعت على حماية النشر والتعبير إزاء كل ما يتعلق بأمن الأوطان وأنظمة الحكم فيها ومصالح تلك الأوطان الداخلية والخارجية، ثم عدم إثارة الفتن والنعرات القبلية، أو كل مساس بكرامة الأشخاص وحرياتهم أو الإضرار بسمعتهم، ويأتي من بعد عدم افشاء وقائع التحقيقات والمحاكمات إلا في حالات الحصول على الإذن الرسمي المكتوب، الذي يمكن إبرازه في حالة أي مساءلة في شأنه.. غير أن هناك عوامل وظروف ومجالات لا تحتمل سوى إعمالها وتنفيذ مضموناتها، دون كشط أو تغيير وهي مسؤولية الصحفي تجاه مؤسسته، وقيام عقد صحيح بين الصحفي والمؤسسة الصحفية، وتكييف علاقة الصحفي بالمؤسسة الصحفية وعقد العمل. لقد رأيت أن تكون هذه العناصر في ختام هذا التناول ذلك باعتبارها عناصر أساسية لا جدال فيها خصوصاً وأنها تمثل الأساس في كل عمل ناجح.. قال تعالى:(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) صدق الله العظيم مستشار قانوني