تشرفت بحضور الاجتماع الثاني والعشرين للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة الذي انعقد الأسبوع الماضي مطلع عام 2011م بالقاهرة تحت رعاية رئيسه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف بروفيسور أحمد الطيب، وأناب عنه في رئاسة جلسات العمل سعادة المشير عبد الرحمن سوار الذهب رئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية نائب رئيس المجلس العالمي. يضم المجلس الذي تأسس في عام 1988م، يضم في عضويته سبع وثمانين منظمة إسلامية دعوية وإغاثية تتمثل فيها كل دول العالم الإسلامي تقريباً، ويشارك بعضها بأكثر من منظمة متخصصة. يعنى المجلس بدور تنسيق جهود المنظمات الأعضاء بغرض التوظيف الأمثل للموارد والإمكانات، وكذلك يقوم المجلس بوضع السياسات والخطط الكلية وتصويب النظر لأمهات القضايا التي تشغل المجتمعات المسلمة وسبل نشر الدعوة الحكيمة والتواصل مع المجتمع الإنساني العالمي. يبدو بدهياً أن اعتماد التخطيط المؤسسي للبرامج والدعاة وفق منهج واضح وشامل هو أقصر الطرق وأصوبها لتحقيق الأهداف المرجوة من كل مؤسسة أو كيان. لقد ظلت كثير من مؤسسات العمل الدعوي والجماعات الإسلامية تعمل بغير خطط ومناهج مدروسة تناسب الظروف الزمانية والمكانية والبيئة المحيطة والتحديات القائمة مما أفقد الأداء الدعوي النتائج المنشودة بالطريقة المطلوبة، مما جعل تكرار البرامج والأنشطة سمة سائدة وضياعاً للزمن واستهلاكاً للإمكانات، الأمر الذي دعا كثيراً من المفكرين للفت النظر بقوة لضرورة اعتماد الرؤية الإستراتيجية مكان العفوية التي عرفت بها جماعات الدعوة الإسلامية وضرورة مواكبة العصر في التخطيط ووضوح الأهداف، مع مرونة الوسائل والإلتزام الصارم بالمؤسسية والحرص على التنسيق المحكم لتجنب التكرار واعتماد التخصص المدروس. لقد استحضر المجلس العالمي للدعوة في اجتماعه الأخير، استحضر مواجع الأمة الإسلامية وجراحاتها النازفة.. فلا يزال العدوان الصهيوني على أشده ضد أبناء فلسطين وتهديد مستقبل بيت المقدس في ظل انقسام متطاول للصف الفلسطيني، وكذلك التشرذم العرقي وفقدان الاستقرار الذي تعيشه العراق، وفقدان الأمن الذي يعبر عنه الواقع في الصومال وفلسطين، ثم وقف الاجتماع طويلاً عند الواقع الراهن للسودان وما يحيط به من استهداف ضد سيادته وأمنه ووحدته واستقراره مما جعله على رأس المهام المتصلة للمجلس، وكلف المجلس لجنة من أعضائه بوضع خطة عملية عاجلة لا تتجاوز النصف الأول من هذا العام للعون الدعوي الإغاثي لجنوب السودان استيعاباً لمآلات الانفصال الذي أصبح واقعاً. وقف المجلس كذلك ملياً عند مخططات أعداء الإسلام الماكرة لإفساد مناهج التربية والتعليم وهتك بنيان الأسرة من خلال اتفاقيات استهداف المرأة والطفل.. سيداو وغيرها التي تدعو للإباحية وإزالة سلطان الرجل في الأسرة وتمييع العلاقات الأسرية الراسخة بتعاليم الإسلام وأعراف المجتمعات المحافظة، وغيرها من برامج مسخ الشباب في البلدان الإسلامية بنشر الرذيلة والصور الفاضحة والأفلام الخليعة والصداقات المشبوهة وكل ما من شأنه إشاعة الفاحشة باستخدام وسائط التقنية الحديثة من شبكات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، مستفيدين في ذلك من السلوك الخاطيء لجماعات الغلو والتطرف وبعض المدارس الفكرية المنتسبة للإسلام التي تدعو للعنف والتطرف والإنتقام من المجتمعات غير الإسلامية وتستبيح دماءهم وأوطانهم وأموالهم مما يعتبر خروجاً بيناً عن جادة الدين الذي يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادلهم بالتي هي أحسن ويحرم الظلم وقتل الأنفس البريئة، وأن وسائل نشر الإسلام جزء من غاياته وأهدافه العظيمة. إن تقييم وتقويم الواقع الإسلامي ضرورة ملحة ينطلق منها لتصحيح وتوجيه المستقبل، وأن مرشد الدعاة ودليلهم إلى الله، هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح وتجارب وأخبار كبار الدعاة والمصلحين.. تلك المعبرة عن الفهم الصحيح للإسلام ومقاصده الكلية ووسائله المشروعة وأحكامه المرعية، الأمر الذي يحصن الدعاة والمدعوين ضد الغزو الفكري وتجنب الانحراف في الفهم والسلوك. إن من أوجب واجبات العلماء تبصير الأمة للحق وحملهم عليه مهما كان مراً، وبث الطمأنينة في نفوس غير المسلمين وتيسير سبل النجاة والهداية لهم وتطوير الخطاب الإسلامي واقتراع المبادرات الجامعة والمانعة لرشد المجتمعات ونصح الحكام وردهم للحق والجادة بلا مداهنة، فإن العلماء يصدرون من ميثاق رباني بواجب البلاغ وعدم الكتمان. إن اجتماع أهل الإسلام بمختلف كياناتهم وجماعاتهم لحماية دينهم وأعراضهم وأوطانهم، فريضة شرعية وضرورة حياتية لا يجوز التنازل عنها بسبب العصبية المذهبية أو الفكرية أو الخلاف في فروع الفقه، فإن الإسلام الذي حرر العقول وحث على النظر في الكون الواسع، رفع قدر العلم والعلماء وأجاز الاستفادة من كل نافع وصالح من المعارف الإنسانية، والحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها.