المناطق الثلاث (جنوب كردفان، النيل الأزرق وأبيي) لها وضعيتها الخاصة التي تضمنتها اتفاقية السلام الشامل، حيث منحت ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق استحقاق المشورة الشعبية، إذ إنه كان لمنطقة أبيي بروتوكولها الخاص واستحقاق الاستفتاء لسكان المنطقة. وقوع المناطق الثلاث داخل الحيز الجغرافي الشمالي ودخول الحركة الشعبية إليها كأوراق ضاغطة أثناء إجراء اتفاقية السلام جعل من حزب المؤتمر الوطني في تضمينها في الاتفاقية حفاظاً على إيقاف الحرب وضماناً لفرص السلام، حيث إن للحركة الشعبية الكثير من أبناء تلك المناطق كانوا فاعلين ومنضوين تحت لوائها، ولذلك كانت الاتفاقية شاملة دون ترك أثر خلاف وراءها. لكن رغم كل هذا التحوط ظلت المناطق الثلاث في مربع المشكلة، سواء على مستوى تطبيق برتوكول أبيي واستفتائها ومحاولة إيجاد حل سياسي لها.. أو على مستوى تنفيذ المشورة الشعبية لولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. «آخر لحظة» تسلط الضوء على ماهية المشورة الشعبية.. ولماذا هي غامضة في تفسيرها لدى كل من الحركة الشعبية أو المؤتمر الوطني أو حتى لدى المواطن العادي!! المشورة الشعبية كيف ولماذا!! المشورة الشعبية أهم آلية وفرتها اتفاقية السلام الشامل من أجل تحقيق وحدة عادلة وسلام دائم، والهدف منها الاستماع لصوت الولايات الأخرى وتصحيح العلاقة ما بين المركز والولايات، وهي حق منح لسكان الولايتين بموجب الاتفاقية وهي لا تماثل الاستفتاء، بل هي مشورة شعبية تفضي إلى البرلمان. عملية المشورة الشعبية لها مراحلها الأولى، منها هي مرحلة أخذ الرأي من المواطنين.. والرأي يقوم على أربعة محاور هي المحور الدستوري والمحور السياسي والمحور الإداري والمحور الاقتصادي.. ويترتب على أخذ الآراء تجميعها وقراءتها من قبل المختصين من السياسيين والتنفيذيين وتبلورها وتقديمها إلى المجلس التشريعي بالولاية المعنية بالمشورة الشعبية وتكون في شكل صوت الولاية للمركز للتفاوض بشأنها وصولاً لمؤسسة الرئاسة لاتخاذ القرار المناسب!! والمشورة الشعبية لها قانونها ومعاييرها الفنية، وهي قائمة على الدستور القومي والدستور الولائي واتفاقية السلام الشامل. المشورة الشعبية لجنوب كردفان نتيجة لعدم استكمال عملية التسجيل لولاية جنوب كردفان في السجل الانتخابي وإعادة العملية مرة أخرى، تظل الولاية تنتظر الانتهاء من انتخاباتها التشريعية لإكمال بنود اتفاقية السلام عبر المشورة الشعبية بالولاية رغم الجدل الذي أثير حول مفهومها بالولاية، غير أن الحكومة نشطت في تعريف المواطنين بماهية المشورة الشعبية وأنها ليست دعوة للحكم الذاتي بقدر ما هي فرصة لإبداء الرأي في كل القضايا وفقاً لما جاء في اتفاقية نيفاشا، وتظل الولاية في انتظار الانتهاء من مرحلة السجل الانتخابي للبدء في تكوين المجلس التشريعي للشروع في عملية المشورة الشعبية. المشورة الشعبية بولاية النيل الأزرق المشهد مغاير تماماً في ولاية النيل الأزرق عن ولاية جنوب كردفان، حيث قطعت مراحل عملية المشورة الشعبية بها مراحل متقدمة ابتداءً من تكوين مفوضية المشورة الشعبية بولاية النيل الأزرق وتكوين أجهزتها، ودخلت مرحلة أخذ الرأي الذي سيُخضع فيما بعد للتحليل المتخصص من قبل الأجهزة المعنية لتسجيل اتجاهات الرأي لدى المواطنين في القضايا المتعلقة بهم من سياسية أو اقتصادية أو إدارية. رئيس المفوضية للمشورة الشعبية بالنيل الأزرق سراج الدين عطا المنان في تصريحات صحفية أكد على هدوء سير العملية في كل مراكز الولاية البالغ عددها «116» مركزاً، وتتم في لقاءات مفتوحة وبحرية وإدلاء أكثر من «33» ألف مواطن بآرائهم مع احتمال زيادة العدد في مقبل الأيام للعملية. في ذات السياق أكد الأمين العام للمجلس الأعلى للحكم اللامركزي والمشرف الاتحادي على المشورة الشعبية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق البروفيسور الأمين دفع الله.. على أن أخذ الرأي يتم بحرية تامة دون تدخلات، واستنكر مطالبة البعض بالحكم الذاتي، مشيراً إلى أنها أجندة حزبية وتعبئة سالبة لمفهوم المشورة الشعبية وتجاوز للاتفاقية، وأن أي رأي خارج الاتفاقية لا يعتد به في مرحلة دراسة البيانات والتحليل. وقال إن البداية العقلية للعملية هي خطوة جيدة ودليل على الالتزام بتنفيذ بنود اتفاقية السلام الشامل والخاصة بالمشورة الشعبية في الولايتين. موقف الحكومة والحركة الشعبية تبدو بوادر الأزمة تلوح بالأفق حول تنفيذ وتفسير المشورة الشعبية من قبل الشريكين، وحول أي من الآراء هو تطبيق الاتفاقية.