المقال السابق بذات العنوان «ولاية النيل الأزرق وجفوة متعلميها» تم نشره في صحيفة «آخر لحظة» الغراء في عددها الصادر يوم السبت الثاني عشر من شهر فبراير 2011م، أثار كوامن الشجن في عدد كبير من أبناء الولاية فهاتف البعض منهم في الداخل وآخرون من دول المهجر، وهذه حسنة من حسنات ثورة الاتصالات في هذا الزمان الذي صارت فيه الدنيا قرية صغيرة، بل نذهب أبعد من ذلك ونقول إنها صارت في غرفة النوم، وبعد هذا كله «ما أوتيتم من العلم إلا قليلاً»، فقد اطلعوا على المقال في موقع الصحيفة في الانترنت، فمن قرأه منهم حدّث الآخر بما تيسر له من وسيلة الهاتف النقال أو البريد الالكتروني، وإنها لدينا عجيبة فقد كانت هذه الرسائل عبر هذه الوسائط هي التي أدت إلى اندلاع الثورة الشعبية في جمهورية مصر العربية، وأطاحت بالرئيس محمد حسني مبارك في الحادي عشر من فبراير، وكانت بدايتها في الخامس والعشرين من يناير 2011م.. ونتيجة لهذه الوسائط المتيسرة في الاتصالات توقع أبناء الولاية أن تكون هنالك صلة بينهم والقيادات فيها في الداخل والخارج، واقتنع أبناؤها في دول المهجر بما هو واقع عليهم من جفوة ما دام الحال هكذا مع الخريجين والمتعلمين في الداخل، ولكنهم ما زالوا يتطلعون إلى إنهاء هذه الجفوة التي لا يرون لها سبباً ومبرراً، وما دامت الوسائط الحديثة في الانترنت والفيس بوك أدت لإسقاط حكومة حسني مبارك في مصر فلا بد لها أن تنمي وتطور ولاية النيل الأزرق بتبادل الآراء والأفكار والمقترحات، ولا نظن أن هناك ما يمنع سوى تهميش متعمد، وتمنى الجميع أن تكون هذه الجفوة من المتحركات وألا تكون من الثوابت كما ذكرت في آخر المقال المشار إليه في صدر هذه الكلمات، فبذلك نستطيع أن نتبادل الآراء، فالهم واحد والقضية التي تشغل بالنا جميعاً هي النهوض بالولاية حتى تلحق بركب الآخرين على الرغم من أن الآخرين في تقدم واستمرار فلن يتوقفوا عن العمل حتى تلحق بهم ولاية النيل الأزرق.. ولكن هذا لن يضعف العزيمة ونأمل ألا يكون مثبطاً للهمم، فسواعد الرجال والشباب هي التي تبني الأوطان وكلنا للوطن الصغير - ولاية النيل الأزرق -. سأل البعض عن المشورة الشعبية وكيف تسير؟ وهل تم عرض قانونها على أبناء الولاية من القانونيين في الداخل بطريقة مباشرة وفي الخارج عبر وسائل الاتصالات؟ أليس من حقهم الإدلاء برأي فيها - المشورة الشعبية - وللخريجين الآخرين أيضاً الفرصة في الإدلاء بالرأي، بل ذهب البعض منهم إلى إشراك بعض أبناء الولاية من الذين هاجروا منها واستوطنوا في مواقع أخرى في السودان، في الخرطوم وفي مدني وفي سنار وغيرها من المدن، ومن تلك الأسر أسرة آل السميت ومنها القانوني المعروف صلاح الدين يوسف السيمت وقد سكنت هذه الأسرة في الروصيرص وتحولت الى أبوحراز والخرطوم، والسيد صلاح الدين كان في عهد الرئيس الراحل نميري وزيراً للحكم المحلي والإدارة في الإقليم الأوسط والعاصمة ومدينة ودمدني، وقبل هذا المنصب كان يعمل في وزارة العدل في منصب قانوني رفيع ثم هجر البلاد إلى دولة الأمارات العربية المتحدة وأخيراً عاد ليستقر في وطنه الكبير السودان، وشقيقه أيضاً قانوني معروف في مملكة البحرين هو بدر الدين يوسف السميت، وكذلك أسرة آل الدراوي ومنها الطبيب المعروف في مدينة سنار الدكتور كمال سيد الدراوي، والذي صارت مدينة سنار موطناً له ولكن قلبه متعلق بالروصيرص، ومنهم أيضاً أسرة آل قنديل، السيدة علوية عضو أول مجلس بجامعة النيل الأزرق وشقيقاها حسن وحسين والأمثلة عديدة، فالذين لم أذكرهم لهم العتبى حتى يرضوا لضيق الحيز وخراب الذاكرة بفعل الزمان ولا يصلح العطار ما يفسده الدهر، ما دام الرأي غير ملزم ولكن الاستفادة منه واردة.. إنهم ينتظرون استشارتهم كما هو متوقع نحن قطاع «النخب» على الرغم من أنه كان من الأفضل أخذ رأي النخب أولاً كما فعلت النخبة الجنوبية التي اختارت الانفصال وسوقته للعامة وليس العكس، ولكن ثقتهم في عامة ولاية النيل الأزرق كبيرة لأنهم جميعاً يعرفون أين تكمن مصلحة بلدهم. يتطلع المتعلمون والخريجون من أبناء الولاية إلى استنفار الهمم لتنفيذ مشروع تنموي في الولاية يتبعه مشروع وتتوالى المشروعات، ويحزنون عندما يصلون إلى عاصمتها الدمازين على مركبة نقل عام «البص السياحي» ويجدون ميناءها البري دون المستوى اللائق لا بالبص السياحي ولا بالمسافرين، وتسوء حالة الميناء عند نزول قطرة ماء من السماء، فعند الوصول «الجواب يكفيك عنوانو»، وهذا المثل بالطبع عندما كان التواصل بالخطابات عبر البريد، ولكن الوسائط الحديثة أنهت البريد الذي غنى له الشعراء «البريدو ما تأخر بريدو يا ناس» وفي قصيدة غنائية أخرى «حملتك جوابي يا ساعي البريد للسافر وطول في البلد البعيد»، فحال الميناء البري تجاوزاً لا يسر لا في الصيف ولا في الخريف، ودخول البص السياحي إليه يهدد مكتب حركة مرور الميناء فأي انعطاف للبص جهة اليمين يصطدم به مما يلحق بهما - البص والمكتب - التلف. ينظرون إلى العاصمة الدمازين وعدد سكانها في الأدنى مئتا ألف وفي الأعلى مائتان وخمسون ألف نسمة تعاني من شح في مياه الشرب النقية وحوض الخزان فيه ثلاثة مليار ونصف المليار متر مكعب من الماء، وقد ترتفع إلى سبعة مليار متر مكعب عند الفراغ من تعلية الخزان، وهذه الكمية الهائلة من الماء على مرمى حجر من وسط المدينة، أما توأمة العاصمة الدمازين وهي مدينة الروصيرص فحدث ولا حرج، والحال كذلك في قرية السريو التي تبعد ستة كيلومترات من قلب الدمازين وسكانها بين عشرة إلى اثنى عشر ألف نسمة بلا ماء وبلا كهرباء وعدد الخريجين فيها لا يقل عن الثلاثة آلاف خريج، في شتى أنحاء السودان وفي دول المهجر والبعض منهم في مناصب قيادية حالياً أو شغلوها، والحال هكذا في الدمازين العاصمة وضواحيها فما بالكم بالمناطق البعيدة عنها مثل قيسان وريفها، والكرمك وما جاورها، وباو وجبالها، ومناطق قلي وأقسامها، فكلها إذن في حاجة إلى بنيات تحتية لا بد لها من تضافر الجهود، وللولاية ضريبة على أبنائها.. ومما لمست في مهاتفاتهم واتصالاتهم أنهم على استعداد لتقديم كل ما هو ممكن وبذل كل ما في وسعهم من أجل النهضة بالولاية وينتظرون المبادرة من الولاية، وإثباطها للمبادرات السابقة تحول بينهم وبين اتخاذ أي خطوة لمبادرة يخشون إجهاضها.والشاهد على وجود الهمة أن أحد أبناء الولاية من المغتربين في دولة الإمارات العربية المتحدة تبرع بعربتين مجهزتين إسعافاً للمستشفى العاملة هناك، وبدلاً من استمرارهما في وقف نقل المرضى تم تحويلهما إلى عربتين لترحيل الموظفين، وكان التبرع بعربتي الإسعاف في وقت كانت فيه عربة الإسعاف عزيزة في الولاية.. إذن الهمة موجودة، فقط كيف نوقظها.