كم هو جميل أن نسمع بعد أن بحت أصواتنا وجفت أحبار ومداد أقلامنا كتابة وحديثاً عن معاناة الجمهور من وطأة الغلاء الطاحن، وجشع التجار، وارتفاع أسعار كل السلع الضرورية، والاستهلاكية والغذائية والتموينية ..الخ.. مما جعل السواد الأعظم من المواطنين شرائح الفقراء والبسطاء والكادحين، ومحدودي الدخل من العمال والموظفين، والمعاشيين، وآلاف الأسر، عرضة وضحية لهذه الظاهرة، يتهددهم الطوى وتحصدهم المسغبة، فالدخول لا تفي باحتياجات يوم واحد، ناهيك عن احتياجات بقية أيام الشهر، فالخبز والدواء والطعام والعلاج الخ... ضرورة من ضروريات الحياة، وإذا استعصت على الرعية والجماهير فإن ذلك يعني الحكم عليها بالفناء والإعدام والموت البطئ، وبمزيد من جرعات الصبر التي طال عليها الأمد وتعاقبت عليها السنون. وربما تمثلت بعض الحلول والخلاص في اتخاذ الاجراءات الجادة، والقرارات المسؤولة الشجاعة، والمواقف الحاسمة، والخطوات الجريئة الرامية الى دراسة واستقصاء وبحث جذور هذه المعضلة، ومسببات هذه الأزمة، ووضع الخطط والبرامج الكفيلة بمعالجة هذه المشكلة التي تعصف بالجمهور، ويذهب السواد الأعظم من المواطنين ضحية لها، بينما تبقى القلة صاحبة الخطوة تتمرغ وترفل في النعيم والترف، وتغرق في الوفرة والتخمة، وتتمتع بالرخاء، وكل ما لذ وطاب من الطيبات، بلا رقيب وبلا حساب وبلا كوابح من الذات أو الضمير أو السلطات التي هي في سبات عميق، وفي غفلة تامة، مكنت ضعاف النفوس من التجار والأثرياء وأصحاب الصناعات والرأسمالية والأسواق من أن تحكم قبضتها على السلع والأسعار، تتحكم في مصائر الكادحين والبسطاء، وتحكم عليهم بالجوع والفقر والمرض والعوز، بل وبالموت فاقة وشحاً وتضوراً وضيقاً وعسراً.نعود ثانية لنقول والحال هكذا كم هو جميل أن تبادر محلية كرري بمشروع رائد، يجئ ضمن اهتماماتها بمشاكل مواطني المحلية، وكمشاركة جادة تهدف الى رفع المعاناة عن كاهل الجماهير بالمحلية، والمشروع يتمثل في إقامة عدد من الأسواق بكل من مناطق الشنقيطي وخليفة والحارة 14، حيث الكثافة السكانية والاستهلاكية الكبرى. ويقول السيد كمال الدين محمد عبد الله معتمد المحلية الذي جلسنا نتحاور معه حول هذه الأزمة والقضايا المهمة المتصلة بحياة المواطنين والغلاء والخدمات الخ.. أن هذه الأسواق زودت ووفرت لها المحلية العديد من السلع اللحوم- البيض=الدجاج=السكر والخبز.. الخ.. ووفرت المواقع والأماكن بل ويقول إن المحلية رفعت يدها عن العوائد والرسوم، وإن عملية البيع تتم مباشرة من والى الجمهور وبأسعار مناسبة أو مخفضة. شاركت في هذا العمل العديد من الفعاليات مثل اتحاد أصحاب العمل والصناعات والمخابز وغيرهم، استفاد من هذه التجربة أكثر من 30000 مواطن. نحن سعداء أن تبدأ المحلية هذه الخطوة باتجاه معالجة مشاكل الجمهور، وسعدنا أكثر عندما أخبرنا المعتمد بأنهم سوف يعممون هذه التجربة في بقية الحارات وأنحاء المعتمدية المختلفة، لتوفير المزيد من السلع الضرورية والمهمة لكل المواطنين كمحاربة للغلاء، وارتفاع الأسعار، وجشع التجار، وكل أصحاب السلع الجشعين. إننا نشيد بهذه المحاولة الجادة نأمل ونتطلع في ذات الوقت أن تحذو حذوها بقية محليات العاصمة والولايات، خدمة لمواطنيها واستشعاراً للمسؤولية الملقاة على عاتقها.. هذا هو الصعيد الرسمي.كما نرجو أن يوازي هذا التحرك الجهد الشعبي والجمعيات التعاونية في مواقع العمل والسكن، وكذلك اللجان الشعبية وغيرها التي يمكن القيام بالتعاون مع السلطات والحصول على هذه المواد والسلع، والمشاركة في عملية البيع والتوزيع بالأسعار المركزة والمخفضة، ولكن من الذي يبادر أو يتصدى أو يقتحم أو يبدأ الخطوة الأولى؟ ويظل السؤال قائماً.