لا أدرى والله إلى متى سيظل قدامى مبدعينا يرحلون عن دنيانا الفانية هذه وفي حلوقهم غصة.. وفي قلوبهم حسرة.. وفي عيونهم بقايا دموع تحكي لجيل اليوم عن الجحود والتجاهل الذي وجدوه بعد أن قطفنا ثمار إبداعهم الشهي.. وارتشفنا رحيق عطائهم الحلو أيام مجدهم وعزهم.. ثم قذفناهم كالنواة على قارعة الطريق بعد أن نضب معين عطائهم وانحسرت عنهم أضواء النجومية وبهرجتها.. فاعتصرهم المرض وهدتهم الشيخوخة وافترستهم الحاجة. { ولعل مطربنا الراحل عثمان الشفيع عليه الرحمة كان على حق وهو يستقريء مآلات المستقبل حين شدى: نحن اليوم ورود بتفوح.. غداً نصبح حطام أشواك تذرونا الرياح في الدوح { ومناسبة هذه المقدمة سادتي هي تلك المعاناة الأليمة التي يعايشها الكثيرون من مبدعينا من قدامى اللاعبين وخلافهم الذين افترسهم المرض، بينما وقف الجميع يتفرجون على مأساتهم دون أن يمدوا لهم طوق الرحمة.. وعلى سبيل المثال لا الحصر نجم نجوم العصر الذهبي لكرة القدم بود مدني وعملاق سيد الأتيام قاسم سنطة، الذي ظل متنقلاً بين عنابر مستشفيات ود مدني وأخيراً لزم سرير المرض بمنزله منذ فترة. { وعند زيارتي له بمنزله برفقة الزميل سمير الهادي وجدناه يعاني حد المعاناة من قلبه العليل.. وعندما سألته وليتني لم أفعل عن إمكانية سفره لمواصلة رحلة العلاج بالخارج أطرق نحو الأرض برهة ثم سقطت منه دمعة وهو يقول في حسرة: (خارج شنو)؟ هو أنا قادر أمشي العاصمة للعلاج؟.. ثم أردف: يا خوي العين بصيرة واليد قصيرة.. فودعناه ونحن نخفي دموعنا. { ألا تخجلوا بالله عليكم يا مسؤولي حكومة ولاية الجزيرة.. ألا تستحي يا وزير الشباب والرياضة يا أبوقناية؟ وهل مات فيكم الإحساس يا إدارة النادي الأهلي واتحاد الكرة بود مدني؟ { أين وفاؤكم بالله لمن سكب 25 عاماً عطاءً متواصلاً في الملاعب لسيد الأتيام ومنتخب الجزيرة كرقم قياسي لم ولن يتكرر في تاريخ الكرة السودانية.. أين وفاؤكم لمن خضّب فنلته بالدماء بعد أن أصيب بشج في جبهته في إحدى المباريات فحملوه على نقالة لخارج الملعب وهو ينزف فتمت خياطة الجرح باثنتي عشرة غرزة ثم نهض وعاد لمواصلة اللعب غير مبالٍ بدمائه النازفة. { مما يوجع القلب حقاً ويهرد الكبد أن هناك الكثيرين ممن لا إرث إبداعي لهم ولا حتى مثقال ذرة من العطاء.. يسافرون على نفقة الدولة للعلاج بالأردن ومصر وغيرها من الدول.. بينما ينابيع الإبداع الحقيقي أمثال سنطة محرومون حتى من العلاج بالداخل.. أي زمان جاحد هذا الذي نعيشه بالله عليكم؟ { أخيراً لازلنا نعشم أن يتحرك من بيدهم الأمر لمد يد العون لكابتن سنطة لمواصلة رحلة العلاج حيثما كانت.. مع أطيب أمنياتنا ودعواتنا له بعاجل الشفاء.. وقبل أن نختم لابد أن نشيد باللفتة البارعة التي قام بها مجلس إدارة نادي الاتحاد بقيادة رئيسه عبد الرحيم فضل الله وسكرتيره محمد الطيب يس الذين بادروا بزيارة سنطة وتأكيدهم على الوقوف بجانبه حتى يتجاوز معاناته المرضية. آخر السطور { نادي النهضة أو كانون الجزيرة كما كان يطلق عليه جمهور الكرة بود مدني أيام مجده عندما كان بعبعاً مخيفاً للأهلي والاتحاد.. بدأ مؤخراً في استعادة وهجه بعد فوزه ببطولة الدوري ومشاركته في التأهيلي القادم تحت قيادة مجلسه الجديد الذي بادر مؤخراً بتكريم اللجنة العليا لأمم أفريقيا بمجموعة مدني في لفتة بارعة وجدت الإشادة والتقدير