لا شك أن السودان قد تغير كثيراً منذ أواخر القرن الماضي وحتى الآن خاصة في (الزمن) الذي عشناه، ونعتبر شهود عيان عليه، وسأحاول أن أكون دقيقة بعض الشيء،، ففي الماضي كنا نأكل الكسرة كوجبة رئيسية، بالإضافة لبعض الرغيف الذي يعتبر نوعاً من الزينة أو الترف، وهذا كان حال غالبية الأسر الفقيرة، وفي غالبية وجباتها.. ثم بدأت بعد ذلك حركة تغيير النمط الاستهلاكي ليحتل الخبز مكان الكسرة، ويرفع علمه ويبدأ رحلة استيراده التي نعيشها حتى الآن، ونأمل أن تدخل عليه ثورة الفيس بوك وتدمر عرشه.. المهم هناك نمط آخر للتغيير وهو دخول البيض أو (جنى الجداد) أو المح كنمط جديد وعام في الموائد العادية، حتى أصبح واحداً من أفراد صحن كوكتيل (بيت العرس)، واتذكر أن البيضة المسلوقة كانت أمنية يتمناها الكثير ويشقى من لم يحالفه الحظ في الحصول عليها لأنها كانت أول ما ينفذ من مكونات الصحن، ثم تحول النمط الى مرحلة أخرى وهو الجمع بين البنت ووالدتها في كوكتيل الأسر المترفة، وكان احتواء أي صحن كوكتيل على الفراخ مدعاة للتباهي واعلان الثراء.. ثم تطور الأمر حتى وصل الى حد لم يكن للخيال أن يصله، وهو أن يدخل الفراخ كل الكوكتيلات بدون استئذان، بل ويصل لبيوت (المآتم) أيضاً، سادتي لم نسأل أنفسنا عن كيف وصل الفراخ للموائد حتى أصبح اقتناؤه من الأشياء الطبيعية، بل ونهرب اليه من حر وسموم أسعار اللحوم الحمراء... وبعد تفكير بسيط وجدت أن هذه المكانة لم نكن لنصلها لو لم يكن من ورائها من يسندها ويقف معها، ونذكر حديث دكتور المتعافي عندما كان والياً للخرطوم.. حيث قال إنه سيعمل على أن يكون الفراخ وجبة أساسية في الخرطوم، ويبدو أن الرجل كان يعني ما يقول، وهاهو الفراخ أصبح وجبة شبه أساسية، وسيصبح أساسياً إذا توسعت هذه الصناعة حتى أطلق عليها الآن قطاع الدواجن.. بالمناسبة لقد ساعدني الحظ بأن أكون أحد شهود معرض الدواجن الذي أقيم بمعرض الخرطوم الدولي، وكنت أحد من سمعوا وتابعوا بعض النشاط المصاحب له، وعلى رأسه ندوة مساهمة قطاع الدواجن في تخفيف أعباء المعيشة، وبما أن هيبة الدواجن مازالت تتملكني، لم أكن اتصور أن لهذا القطاع أهمية قصوى، وأن ثورته قادمة، فقط إذا أزيلت بعض المعوقات التي في طريقه وهي مثل المسكيت. ومن خلال الأوراق المقدمة والنقاش فهمت أن هؤلاء الناس قد حددوا مشاكلهم وهي بداية طريق الحل لمعرفة الداء وبداية علاجه، فالتشخيص مشاكله كثيرة واسلاكه شائكة، لكن إشارات الأمل وخيوط ضوئه تلوح في الأفق، خاصة بعد أن كشفوا عن خططهم للمشاريع بواسطة التمويل الأصغر والبيوت المحمية.. سادتي تسهيل الطريق للخريجين والشباب أفضل من تسهيلها للمستثمرين فقط.