ونواصل اليوم.. خوضاً في بحار الفساد والتي هي أشد خطراً من الأمازون.. وما زلنا نجتاز صحراء مخيفة تحتشد بالأفاعي والزواحف والثعابين.. ومازلنا نمشي في غابة تربض بين دغلها الوحوش المفترسة.. وأشباح من الشياطين.. وأن ترفع صوتاً ضد الفساد معناه أنك إنما تقف في وجه الخطر والرعب.. ولكن لا بأس حتى من فقدان الحياة نفسها إن كانت قرباناً لوطن نبيل.. ودفاعاً عن شعب أكثر نبلاً.. واليوم لن نخاطب رئيس الجمهورية.. لأن دوره ينتهي بتكوين مفوضية مكافحة الفساد.. ثم يبدأ دوره الذي نتمناه حاسماً وباطشاً وعنيفاً.. ومدوياً.. عندما ترفع له المفوضية جداول الفاسدين.. اليوم حديثنا لأعضاء المفوضية وهم يبدأون مهمتهم المقدسة.. وكنا بالأمس قد حدثناهم عن البدايات.. وأوصيناهم بمؤسسات الدولة.. بدأنا بسودانير التي آلت بكل مظاهر سيادتها.. بعلمها.. بشعارها الأبدي لا نعرف لها اسماً ولا هوية.. واليوم نطالبهم بفتح ملف وزارة الصحة.. التي ما ترك الصحفيون- ولكن رمزاً- من جسدها شبراً ليس به طعنة حرف أو ضربة كلمة.. نقول للمفوضية.. لا يكفي أبداً.. أبداً إعفاء وزير ووكيل.. ابحثوا عن تلك المعارك الطاحنة التي مازال غبارها عالقاً في فضاء الوزارة.. اذهبوا إلى ذاك المستشفى الذي أفاض فيه محررو «الأسرار» حتى خلناه وكراً حصيناً وركناً مظلماً من أركان الفساد.. اذهبوا حتى إلى مستشفى الخرطوم.. اجلسوا مع المدير شخصياً.. أسألوه عن ذاك المبنى المسلة.. أو القلعة.. أسألوه عن ذاك المبنى وهو فكرة.. ثم البناء طوبة.. طوبة.. ثم لماذا لا يعمل.. وهل كل شيء قد تم «في السليم».. وهل كانت وراءه أيد طاهرة شريفة متوضئة.. ليتوقف الهمس.. ولتندحر فلول الظنون والبهتان.. أم أن هناك دخاناً كثيفاً يعلن عن نار.. افعلوا ذلك حتى لا يلتهب جمر الرماد وتكون ناراً لها ضرام.. وما زلنا في دهليز.. المفوضية.. ونحيلهم إلى صحف صدرت في الخرطوم قبل شهور.. بل قبل شهرين.. وصحفي نابه.. شجاع.. قلبه على الوطن.. يكتب عن مواطن اختلس مبلغاً من المال.. ثم وجد الحماية التامة من والي ولاية وسطى.. فقط لأنه من الذين جاهدوا.. في فجر الإنقاذ.. نحن لا نملك دليلاً واحداً ينهض إدانة للوالي وللمواطن.. فقط نريد استجلاء الحقائق.. حتى نستبين الحق.. إما إبراء ذمة المواطن والمسؤول.. وإما ثبوت فسادٍ مقنن علني على رؤوس الأشهاد وتحت بؤر الضياء وهالات النور.. ابحثوا في ملفات العطاءات الكبيرة الضخمة.. راجعوها بنداً.. بنداً.. منذ إعلان عطائها عبر الصحف.. حتى رسوها على الجهة التي فازت بها.. وهل.. كان كل شي ذهب في خط مستقيم.. أم هي تعريجات.. وهمس حجرات.. وروائح صفقات.. ثم اعلموا.. اعلموا.. اعلموا.. أن الذي أطاح بالنظام المصري.. وقبله التونسي.. والذي حتماً سيطيح بالنظام الليبي.. هو اقتران السلطة بالمال هو زواج الحكام برجال وحتى نساء الأعمال.. افتحوا هذا الملف.. صحيح أنه خطير.. خطير.. خطير.. ولكن لأن الضوء الأخضر قد أضاءه لكم رئيس الجمهورية شخصياً.. لا تتهيبوا ولا تهنوا ولا تأخذكم في تنقيب وتقليب.. الدفاتر شفقة.. راجعوا الأسماء مهما كانت كبيرة وخطيرة.. «فلفلوا» الملفات ملفاً.. ملفاً.. إما أن تكتشفوا أن كل ذاك الظن كان إثماً.. أو أن هناك تزاوجاً كاثوليكياً قد تم بين بعض رجال السلطة بالمال.. وبعض رجال السلطة.. بالأقرباء.. والأبناء.. والأشقاء.. والأصدقاء.. ثم.. تأسوا بالسلف الصالح.. ارفعوا علماً.. بل راية ترفرف على سارية بناية المفوضية.. شريطة أن يكون ذاك العلم بطول ثلاثة أمتار وبعرض مترين مكتوب عليه بل محفورة عليه «من أين لك هذا».