المدن والقرى والدمر هي ذاكرة الشعوب وعنوان المجتمعات، تشكل وجدان سكانها وتبلور ثقافاتهم، وتشهد على حضاراتهم وابداعاتهم، وودعة درة القرى في دارفور ومقبض الرحى في زمان سلطنتها وفي محليات حاضرها.. تعايشت اثنياتها ونهلت من البداوة نقاءها ومن القرية صفاء النفس، وتمدد أبناؤها وأسرها في حاضرة دارفور الكبرى فاكتسبوا التمدين والحكمة وحب العطاء والوفاء للجميل.وثق لها النجباء من أبنائها عبد الله حامد، وحامد أحمد عثمان، ومحمدين محمد جلال الدين، بكتاب تحت عنوان: (قبيلة الميما عبر التاريخ) نقب الكتاب في الأصول والهجرات ودور القبيلة في الثورات الوطنية، خاصة الثورة المهدية، وفي التعايش مع المجموعات، والسكان كما وثق الشيخ الدكتور/ إبراهيم بوشة في تاريخ نشأة ودعة وكيف اكتسب الاسم والحقق السلطانية (المراسيم) التي ملكت الدار لأهلها بحدود جبالها ووديانها، وفي مطلع الاسبوع الماضي ولظروف ضاغطة لم أتمكن من تلبية دعوة الأخ الصديق وكيل ناظر الميما لحضور الاحتفال المهيب الذي تم بجامعة الخرطوم احتفاءاً بتسليم سلطات الجامعة قاعة ودعة، التي تم تشييدها على نفقة رجل الأعمال ذائع الصيت الحاج صديق آدم عبد الله والمعروف ب(صديق ودعة)، ورغم ذلك طوفت بعد الظهر حول القاعة بعد انفضاض المحتفلين والقاعة عبارة عن مبنى من خمسة طوابق تم تشييده على مساحة الف ومئتين وخمسين متراً مربعاً، أبدعت فيها شركة شاندوم ولجنة المهندسين المشرفين من طرف رجل الأعمال الحاج صديق، ومن طرف الإدارة الهندسية بالجامعة، ووصلت تكلفتها إلى أكثر من ثلاثة مليارات جنيه سوداني، تم تقديمها وفاءاً وعرفاناً لأكبر صرح تعليمي في السودان، ولأعرق جامعة في المنطقة الافريقية ذات السمعة العالمية المجيدة- كما عبرت الأستاذة أسماء صديق ممثلة رجل الأعمال في كلمتها أمام الاحتفال، ولم تنسَ في كلمتها رد الفضل لأهله واسهامات الفكرة التي ابتدرها البروفيسور آدم الزين وقدمها الأستاذ عبد الله حامد، وانجزت بكل مسؤولية رجل الأعمال الحاج صديق، وتمثل قاعة ودعة تمكيناً لقيم العلم في وجدان أهل دارفور من الخلاوي والكتاتيب والمسؤولية المجتمعية لرجال الأعمال في دعم المؤسسات التعليمية واسهامهم الذي امتد لكل الوطن ولم ينحصر على الرقعة الاقليمية الجغرافية للإقليم، خاصة اسهاماتهم في مجال الدعوة والتعليم في بناء المساجد والخلاوي والمدارس ودعم الجامعات ورعاية طلاب المعاهد العليا والجامعات، وتقف عدد من المؤسسات والدور المنتشرة في مدن العاصمة القومية شاهدة على هذا العطاء النبيل.قد أدرك أهل دارفور منذ فترة طويلة دور العلم والتعلم في ترقية الحياة، واختزنت ذاكرة الثقافة الشعبية بتبجيل العلماء ومكانتهم الرفيعة منذ بداية السلطنة، وودعة التي حملت القاعة الأنيقة بجامعة الخرطوم اسمها، أنجبت للعلم مريدين وعلماء مثل الشرتاي محمد آدم عبد الله زعيم قبيلة الميما الذي ساهم في تشجيع المواطنين بودعة لتعليم أبنائهم، وفتح داره لايواء الطلاب من القرى المحيطة بودعة، ونال الميدالية البرونزية في التعليم تقديراً لجهوده في نشر التعليم.. وتواصل عطاء الحاج صديق في تشييد عدد من المؤسسات التعليمية ودعمها ابتداءاً من الخلاوي والمدارس وجامعة الفاشر، حيث قام بتشييد قاعة مماثلة للقاعة التي قدمها لأم الجامعات، ومدينة كليمندو العصرية، وأنجبت ودعة من العلماء والمثقفين وأساتذة الجامعات في كل أنحاء السودان منهم الأديب والراوي إبراهيم اسحق مدير مركز كلميندو الثقافي، والدكتور يعقوب عبد الله عميد الدراسات العليا بجامعة القاهرة، والدكتور عبد الله عبد الرحمن يانكر، والدكتور المرحوم عبد القادر عجيب، والدكتور إبراهيم بوشة، والدكتور إبراهيم أحمد والأستاذة فاطمة اسحق، والأستاذة مواهب يعقوب عبد الله، والمهندس عبد الله زكريا، وعبد الله أحمد حسين، ويعقوب آدم عبد الله، والمهندس موسى علي إبراهيم، وقد نثرت ودعة درراً في مختلف المجالات، وفي كل بقاع السودان ويزين جيدها ابنها الحاج صديق بقاعة ودعة بمدلولاتها السياسية والاجتماعية والثقافية، لتقف شاهدة لعمق الموروث الحضاري لشعب دارفور والسودان.أشارت الأستاذة أسماء صديق في حديثها أمام أساتذة الجامعة بقيادة نائب المدير وأمام أساتذة الجامعات السودانية الأخرى ورهط الحضور المهتمين بأمر التعليم العالي، أشارت وناشدت رجال الأعمال السودانيين لدعم العملية التعليمية، وقد أصابت بتحريضها بعد قيام عدد كبير في الاستثمار في التعليم العالي، وقام عدد من رجال الأعمال السودانيين بانشاء الجامعات الأهلية التي أسهمت بقدر كبير في رفع الوعي والمعرفة، ومازالت الساحة تحتاج إلى المزيد خاصة في المجال الحرفي والمهني لتحريك الطاقات المعرفية في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والاستفادة من الموارد الطبيعية في بلادنا للوصول إلى الرفاهية المطلوبة.