حملت نشرات الخميس من كل من تونس ومصر أنباء سارة حول تقدم الثورة في البلدين الشقيقين نحو أهدافهما في الخلاص من موروثات الأنظمة المخلوعة لكل من الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك. بينما حملت في الوقت ذاته أخباراً سيئة تفيد بغارات مجنونة ويائسة شنها العقيد معمر القذافي بالسلاح الجوي وبكتائب المشاة على مدينة البريقة، استهدفت مقار شركات بترولية ومطار المدينة، تصدى لها الثوار بنجدة من رفاقهم في مدينة اجدابيا القريبة وأجبروا قوات العقيد على التراجع إلى مدينة رأس لاندوف الساحلية القريبة حيث بدأت تتجمع من جديد استعداداً لإعادة الكرة. الخطوتان التونسيتان إلى الأمام مثلهما خطاب الرئيس التونسي المؤقت فؤاد المبزع، الذي أعلن خلاله أن المجلس التأسيسي المكلف بوضع دستور جديد سينتخب بحلول 24 يوليو القادم- تاريخ يصادف ذكرى تأسيس الجمهورية الأولى بعد الاستقلال بقيادة الحبيب بورقيبة- وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة لتكوين ذلك المجلس، وتشكيل «لجنة عليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي» تضم مجلساً ولجنة للخبراء، تتولى إعداد النظام الانتخابي الذي سيكون مجالاً للتشاور في إطار اللجنة العليا التي سيضم مجلسها شخصيات وطنية وممثلين للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي شاركت في الثورة. بينما من المتوقع أن يعلن الوزير الأول (رئيس الوزراء) الباجي قائد السبسي تشكيل الوزارة الجديدة في أية لحظة، لتصبح إلى جانب الرئاسة المؤقتة بمثابة السلطة العامة التي ينتهي عملها في ذات اليوم (24 يوليو) عند انتخاب المجلس التأسيسي الذي سيتولى إدارة شؤون البلاد، بالإضافة إلى الإطّلاع بمهمة إعداد الدستورالدائم للبلاد. أهم ما في خطاب المبزع هو تأكيده على دخول البلاد في مرحلة جديدة في إطار نظام سياسي جديد يقطع نهائياً وبلا رجعة مع النظام البائد، والخطوتان- تحديد موعد انتخاب المجلس التأسيسي وتشكيل اللجنة العليا- وجدت ترحيباً واضحاً وأشاعت حالة من التفاؤل، وعُدتْ بمثابة انتصار كبير لمطالب ثوار 14 يناير بعد أقل من شهرين على إطاحة رأس النظام. فقد وصفهما الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل (اتحال العمال) بأنها «برنامج واضح ولم يعد هناك غموض»، ووعد بأنهم سيعملون مع باقي القوى السياسية لمساعدة السلطات العامة على القيام بمهمتها، بينما رأى فيها حمَّة الهمامي زعيم الحزب الشيوعي بأنها «انتصار للشعب والثورة»، بالرغم من تحفظه على قصر الفترة المتبقية، قائلاً إن «فترة أربعة شهور ونصف قصيرة جداً»، بينما أثنت عليها الأمينة العامة للحزب التقدمي الديمقراطي، وقالت إنها بمثابة «البداية الحقيقية للجمهورية التونسية الثانية»، وإنهم سيعملون على المساعدة في إنجاز مطلوباتها عبر الحوار وطرح الآراء المتعلقة بطبيعة دستورها ونظامها السياسي وقوانينها التي تكرس الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. أما مصر فقد شهدت مع نهاية الأسبوع خطوة مهمة باتجاه الاستجابة لمطالب ثوار 25 يناير، حيث أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة- على غير العادة- من موقعه على الانترنت عن قبول استقالة رئيس الوزراء أحمد شفيق وتعيين الدكتور مهندس عصام عبد العزيز شرف رئيساً للوزراء. وعرف عن الدكتور شرف الذي شغل وزارة النقل في الفترة بين يوليو 2004 ونهاية ديسمبر 2005 أنه غادر الوزارة بسبب خلافات مع رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف وعاد إلى الحياة الأكاديمية لتدريس هندسة الطرق وسلامة المرور وإدارة النقل بجامعة القاهرة، لكن أهم من ذلك أنه شارك بحماس في تظاهرات ثورة 25 يناير، وشوهد محمولاً على الأكتاف يهتف مع الشباب الذين أطلقوا الانتفاضة. وبرغم الخطوة المتقدمة التي وجدت ترحيباً وارتياحاً في أوساط الشباب الذين زار وفد منهم يمثل «ائتلاف الثورة» رئيس الوزراء المكلف عصام شرف في داره وعقدوا معه اجتماعاً مطولاً اطلعوه خلاله على رؤيتهم لمستقبل مصر وأكدوا له على ضرورة إزالة كل الوجوه المرتبطة بنظام مبارك، إلا أن الرأي العام المصري فوجئ بإعلان من جانب وزارة الداخلية يطلب من المواطنين تسجيل أسمائهم للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة، واعتبرت الخطوة بمثابة تراجع عن أحد المطالب المهمة للثورة والمتمثلة في الاقتراع عبر البطاقة الشخصية والرقم الوطني، منعاً لأي تلاعب في السجل الانتخابي الذي طالما كان مدخلاً كبيراً لتزوير الانتخابات. واللافت إن الوفد الشبابي الذي التقى رئيس الوزراء المعين عصام شرف كان ممثلاً لكل التيارات السياسية، حيث ضم ممثلين للتيار الليبرالي وحزب الجبهة الديمقراطية والإخوان المسلمين وتيار اليسار وحركة «كلنا خالد سعيد» والاشتراكيين الثوريين، وهذا في حد ذاته مؤشر جيد على التوجه العام لمدنية الثورة وتعددية القوى المشاركة فيها مما يخفض من سقف التوقعات المتشائمة بأن تياراً سياسياً معيناً- هم الإخوان المسلمين- يحاول الإنفراد بالساحة والاستحواذ على مكتسبات الثورة وإقصاء القوى الأخرى الأقل تنظيماً وأحدث تاريخاً ووجوداً. وهي توقعات تعززها، بصورة أو أخرى، الزيارة المفاجئة والأولى من نوعها التي قام بها رئيس الجمهورية التركية لمصر بعد الثورة، الرئيس التركي عبد الله غول، والتي التقى خلالها المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى إدارة شؤون البلاد، وبحث معه سبل دعم التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري بين البلدين وتعزيز الشراكة المصرية التركية في العديد من المجالات، وليلتقي أيضاً على هامشها بمرشد الإخوان المسلمين، لكن اللافت كذلك أن غول لم يقتصر لقاءاته على مرشد الإخوان المسلمين بل وسعها «لأسباب تكتيكية» لتشمل ممثلي حركة كفاية وحزب الغد ومجموعة من ثوار 25 يناير، تركزت حول تبادل وجهات النظر بشأن المرحلة الانتقالية والتحول إلى ديمقراطية حقيقية تصبح نموذجاً لمختلف دول المنطقة.