لا أتوقع أن تكتمل كل اجراءات وترتيبات قيام دولة ذات سيادة فى جنوب السودان خلال المتبقى من الفترة الانتقالية المحددة بنهاية اليوم الثامن من يوليو وذلك بعد أن اختار الجنوبيون تقرير مصيرهم بقيام الدولة الخاصة بهم . وقدر دولة الجنوب أنها تأتى بعد أكثر من ثلاثة قرون من ظهور الدولة الحديثة فى العالم والتى أخذت شكلها الحالي بعد بنيان متراكم وتجارب اكثرها كان قاسياً وتداول وتناوب فى الحكم من سلطويات وديمقراطيات متنوعة . كما تأتي دولة الجنوب بعد مرور112 عاماً من قيام دولة السودان الحديث وفى هذه الحقبة كان جنوب السودان ذا خصوصية فى حكمه وفى التعامل مع قضاياه من قبل الحكومات المركزية التى تعاقبت على الحكم منذ الإستقلال فى العام 1956 . شأن دولة جنوب السودان وترتيبات قيامها لن يكون حكراً خالصاً للنخب التي يتوقع أن تحكم أو تلك التي يتوقع أن تكون فى المعارضة فى ظل تماهي الحدود القطرية بفعل وسائل الإتصال الحديث وسطوة الهيئات المدنية والحقوقية الدولية وحقوق المجتمع الدولي الذى تقوده ا لولايات المتحدةالأمريكية والدول الغربية وستجد حكومة الجنوب أنها ستتعامل مع معارضة محلية شعبية أو حزبية أو عسكرية كما ستتعامل فى ذات الوقت مع ضغوط خارجية طوعاً أو كرهاً حسب الأجندة التى ترسمها هذه الجماعات الخارجية لمستقبل التعامل معها وفرض مواثيقها وعهودها وقوانينها . حكومة السودان ونقصد بها حكومة الدولة التى انفصل عنها جنوبها وفقاً لحق تقرير المصير ولانقول حكومة الشمال إذ الواقع يحتم أن تسمى الحكومة بمسماها الذى احتفظت به وورثته عن دولة السودان السابقة بعد أن اختار الجنوبيون اسم دولة جنوب السودان رغم تحفظنا الذى أشرنا إليه فى مقال سابق عن الإسم وتشويشه على حكومة السودان وشعبها فى الداخل والخارج كذلك عدم أخذ رأى حكومة السودان فى الاسم الذى ناصفنا فيه الإخوة الجنوبيون وأظنه رهين بموافقتها قبل أن تعتمده الهيئات الدولية والإقليمية وعلى رأسها الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية المختلفة . حكومة السودان بعد نهاية اليوم الثامن من يوليو القادم تحتاج هى الأخرى الى ترتيبات مهمة وكثيرة أفرزتها تجارب التعاقب على حكم السودان من حكومات برلمانية ينفرد بها حزب واحد فى الحكم كما كانت تجربة أو ل حكومة بعد الإستقلال برئاسة الزعيم الأزهري وهى التجربة الأولى والاخيرة وتجارب الحكم الائتلافي فى ظل النظام البرلماني لصعوبة حصول حزب واحد على الأغلبية وكان الائتلاف دائماً بين أحزاب تتضاد فى فلسفتها وبرامجها ولكن تتفق على أن تكون فى الحكم ونظام الحكم العسكري ونظم حكم الحزب الواحد ونظم حكم الأحزاب المؤتلفة مع حزب كبير كل السلطة بيده مع آحزاب صغيرة منشقة ومنشطرة ونظام الشراكة بين حزبين فرضته اتفاقات سلام ضمنها المجتمع الدولي وقنن فترة حكمها دستور انتقالي لاخلافات جوهرية عليه من قبل أغلبية السودانيين ولاننسى تجارب الحكم الانتقالي. كل هذه التجارب تقتضي أن تكون فى الحسبان إذ الأمم العظيمة هى التى تستلهم العبر دائماَ من تجاربها حتى لاترتد أو تنتكس فيما تقدم عليه. المرحلة الماضية فى الحكم أفرزت الكثير من السلبيات التى يجب معالجتها وبشكل حاسم يتوافق عليه جميع أهل السودان وهوعدم الارتداد الى المرجعية القبلية فى تسنم وظائف الحكم على المستويات الاعلى الدستورية ومستويات الوظيفة العامة فى دواوين الحكومة . هذا الارتداد هو الذى افرز ترهل ديوان الحكومة فالوزراء ووزراء الدولة الذين قارب عددهم المائة ليس له تفسير منطقي إلا الخضوع لمستحقات المحاصصة والترضيات والتى لن تفلح فى ظل وجود اكثر من خمسمائة قبيلة فى السودان مع العلم ان نظام الحكم الفيدرالي الذى لاخلاف كبير حوله يتيح الفرصة لأهل كل ولاية فى حكم ولايتهم اما التمثيل فى الحكومة الاتحادية فالأوفق أن يكون وفق معايير الكفاءة والسيرة الحسنة لا الانتماء الى جهة أو قبيلة فى شمال السودان أو شرقه وغربه ووسطه وجنوبه الجديد.