زخارف الغلاف:- قبل أن أكتب عن غلاف كتاب رواق النوبة، دعوني أتذكر معكم غلاف كتاب تاريخ السودان للرابعة الوسطى، والذي لابد أن يكون موجوداً في سجلات بخت الرضا، لقد كانت على غلاف الكتاب صورة لأسقف ومجمرة وصليب لعصر النوبة المسيحي، لقد كانت آفاق تفكير أهل التربية في ذلك العصر القريب آفاقاً مفتوحة نحو حضارة السودان، وكان الكتاب عن تاريخ السودان، وشمل العديد من الصفحات عن الألف عام التي عاشها السودان في كنف المسيحية، عاشوا ملوكاً أتقياء، وشعباً طاهراً من ضباط قديس، تجاوباً مع دعوة بطرس الرسول كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ، بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: »كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ«. (بطرس الاولي 1: 14 ? 16)، ولعلني أريد أن أقول إن منهج التاريخ الآن خلا وبكل أسف من أي حديث عن هذا العصر المسيحي المزدهر، وهو أمر يحتاج الى مراجعة حتى لا يغيب عن أذهان أجيالنا عصر المسيحية قيماً وفضائل، ومحبة وحلو شمائل. مترجم الرواق: ويقول محجوب التجاني مترجم النوبة رواق أفريقيا: سألني مرة ضابط المطار في مطار جدة الدولي، عن الصور التي يزدان بها غلاف الرواق الخارجي، وكان يود إستطلاع معانيها، وما ترمز اليه زخارف البيت النوبي وغيرها من الرموز بالغلاف وحيثما قادني الترحال، تواترت نفس الأسئلة من ضباط المطارات، والطلاب والأساتذة والمسافرون وغيرهم، ويقودني ذلك الى تسجيل لبضع كلمات عن الثروة الثقافية التي قام بانتاجها في الرواق الأستاذ وليم آدمز بتقديمه للعالم ما حمله مؤلفه عن الحضارة النوبية. وتحدث التجاني عن صعوبة ترجمة أسماء ملوك النوبة دون الحصول على توجيه نوبي، وذكر أن د.علي عثمان يعتقد أن لغة المحس هي الأكثر تمثيلاً للغة النوبية القديمة، وهنا قرر المترجم أن يستخدم كدليل لنطق أسماء حكام النوبة، ما جاء في أغاني المحس، وهي طبعاً لغة نوبية، وهي مصدر يستعان به في نطق الأسماء الخاصة بالملوك والملكات، وقد جاء الى المترجم أشرطة لأغاني المحس ودنقلا وردت اليه من كندا من الأستاذ عبد الاله النوبي، ولقد تمكن المترجم من خلال الاستماع الى الأغاني وأنغام الطنبور الشجية أن يصل الى أوزان، وتوقيت إيقاعي للأسماء النوبية الطويلة، وأبتكر منها طريقة لقراءة أسماء الفراعنة النوبة، ولا أدري لماذا يسمى حكام النوبة فراعنة، هل يقصد المترجم معنى كلمة فرعون والتي تعني حاكم؟ هل يقصد أن ملوك النوبة حكموا مصر الفرعونية؟ هل يشير هنا بطريقة ما الى الأسرة الخامسة والعشرين التي أسسها الملك النوبي بعنجي ربما، ولكن التجاني راجع طريقته في التعرف على أسماء الملوك مع مؤلف الكتاب، والذي أعجب بالطريقة. ثم فكر المترجم: لماذا لا يستعين بطنبور المحسن تلك الآلة الموسيقية الشعبية الفذة؟ وذلك لقراءة الخط النوبي الذي لم تفك طلاسمه بعد، وفكر في الإستعانة مباشرة بالفنان النوبي الشعبي، ويستفيد من جهود علماء اللغة، وأساتذة الأنثروبولوجيا، ومنهم ريتشارد لوبان، الذي يحوي مؤلفه الجديد عن النوبة جدولا يقارن فيه الخط المروي، وقد تعينه كلماته المنقوشة بنبرات لغوية صوتية معينة، وفي اعتقادي أن فك طلاسم اللغة النوبية يحتاج الى مراجعة اللغة القبطية ومعرفة قواعدها، ولهجاتها، وعلى الأخص اللهجة الصعيدية، لأن اللغة النوبية استعانت بالابجدية القبطية، ولأن العصر المسيحي كان يستعمل اللغة القبطية نفسها لغة للصلاة في مئات الكنائس في ممالك النوبة الثلاث، فاللغة القبطية هي المفتاح الذي استعان به شامبليون على فك طلاسم حجر رشيد.