قوة الاقتصاد لأي بلد تتمثل في عملته.. التي في هذه الحالة لا ينطبق عليها مقولة وجهين لعملة واحدة.. وفي الوقت الذي ظل يتصدر فيه ( الدولار ) سلة عملات العالم، رغم أنه من ناحية الصرف يكون أحياناً أقل من العملات الأخرى.. كانت هناك منافسة شرسة من أجل تقزيم العملة الدولارية، ومن ذلك دخول الاتحاد الأوربي الى برنامج الوحدة الطموح والرهان على (اليورو) في مواجهة الدولار، وما تمخض عن ذلك لاحقاً من تقدم واضح في هذا الجانب، رغم العثرات الكثيرة ودخول العملة اليابانية والصينية على الخط ومحاولة اختطاف الأضواء من الدولار الأمريكي. أما الجنيه فله تاريخ حافل من النجاحات والاخفاقات ويكفي أن نقول هنا إن الجنيه الاسترليني ظل لسنوات طويلة أعلى قيمة من الدولار، ولكن يبدو أن السطوة السياسية ألقت بظلالها وجعلت الدولار يبدو دائماً في المقدمة، ويتخذ كمعيار للعملات الأخرى وهو ما يعكس تغوغل السياسة على كل شيء في العالم. والجنيه السوداني رغم تعرضه للإزالة الطوعية مع مجيء الدينار، ثم العودة الجبرية إليه مرة أخرى ظل صامداً عبر العديد من الحكومات يحكي بصمت بليغ عن أحوال الناس، ويرصد حركتهم المعيشية، كما ظل يتحمل بضراوة حالة الشد السياسي بين واشنطون والخرطوم، ويشكل مراهنة سوقية يومية لتجار العملة الذين يعتبرون من الشرائح الأكثر غنى في المجتمع، رغم الحملات الكثيفة التي ظلت تطالهم خاصة في الآونة الأخيرة. وقد كنت أظن أن (الجنيه السوداني) لا يقبل القسمة على اثنين.. لكن يبدو أنه مازال بخير وصحة وعافية.. والدليل على ذلك أنه سيكون (سيد الاسم) في الشمال والجنوب معاً.. بعد أن تسربت بعض الأخبار عن نية حكومة الجنوب اعتماد (الجنيه) كعملة لدولة الجنوب الوليدة، والتي ستكون مساوية في قيمتها للجنيه السوداني في الشمال. ورغم أن هذا الاتجاه فيه نصرة للجنيه وابقاء لصلة جوار حسنة، لكن ذلك لا ينفي وجود تعقيدات وتأثيرات جانبية، لأن القول بإن جنيه الجنوب سيكون مساوياً لجنيه الشمال في قيمته، يمكن ان يكون معياراً لضربة البداية فقط، ولكن بعدها لا يمكن التحكم في المسألة لأنه حتماً ستختلف المؤشرات والقراءات لأيهما أعلى قيمة.. الجنيه الشمالي أم الجنيه الجنوبي؟! إن (حرب العملات) التي انتشرت إبان الأزمة المالية العالمية لن يكون الجنيه السوداني بعيداً عنها، رغم أن للعنوان يحمل بعض الإيجابيات وخاصة على صعيد التنافس الاقتصادي، الذي يجعل كل طرف حريصاً على أن تكون عملته هي الأعلى والأقوى.. وهذا لا ينفي أن هناك وسائل ملتوية يمكن أن تتبع لأجل الوصول الى هذا الهدف، وبالتالي الدخول في دوامة جديدة من المشاكسات، وإن كانت محكومة هذه المرة بلغة الأرقام والوقائع على الأرض. ترى كيف سيكون شكل (الجنيه الجنوبي) وصورته؟! وهل سيختلف كثيراً عن (الجنيه الشمالي)؟!.. وقبل ذلك هل سيتواجد في البنوك والمصارف بنفس القيمة كما تقول حكومة الجنوب؟! والى متى سيستمر محافظاً على هذه (الوحدة النقدية) بعد الفشل من قبل في تحقيق (الوحدة الوطنية)، وانقسام السودان الواحد الى شمال وجنوب؟! ثم لماذا نستبعد أن تعود حكومة الخرطوم الى (الدينار) مجدداً بعد أن وقع الانفصال؟! ألم يكن (الدينار) مطلباً إنقاذياً من قبل.. أم أن صوت العقل يقول إنها خطوة شكلية لا معنى لها وستكلف الدولة المزيد من الصرف والجهد؟! إنها أسئلة كثيرة ستجيب عنها الأيام المقبلة.. أيام البلد بلدين والجنيه جنيهين!! آخر لقطة: ألم يكن ممكناً استمرار (الجنيه) نفسه وبكامل هيئته في الشمال والجنوب، لنقول إن هناك شيئاً ما ما زال يجمع بينهما.. وإن شيئاً ما قد يجعل الوحدة في المستقبل خياراً ممكناً!!