ليس غريباً أن تجد زيارة الدكتور عصام شرف كل هذا الاهتمام من الأوساط الشعبية السودانية وأن يتم استقباله هذا الاستقبال الذى يليق بمصر قلب الأمة العربية الذي انسدت شرايينه لبعض الوقت وانخفض نبضه وهاهو يعود اليوم بقسطرة علاجية لم تصل حتى لجراحة وإن كانت تكاليف هذه القسطرة عالية دفع ثمنها الشباب المصري الذى لم يشأ إلا أن يكون قلب الأمة العربية دقاته كما قدر مصر وريادتها . الترحيب الرسمي بزيارة رئيس الوزراء المصرى والوفد المرافق له أيضاً مسوغه إذ ظلت الزيارات الرسمية من قبل مصر للسودان تحمل فى أجندتها الكثير من الموضوعات والقضايا التى لاتتعامل فيها البلدان بحسن النوايا وثقة كل طرف فى الأخر والكل يعلم أن زيارات الرئيس حسنى مبارك التى ظاهرها العلاقات الطبيعية والأخوية والشعب الواحد وباطنها محاولة الاملاء ورسم الطريق وفرض الحلول ومن المفارقات أن آخر زيارة للرئيس مبارك كانت برفقة الرئيس الليبي معمر القذافي ومارشح عن هذه الزيارة من أن الزعيمين المصري والليبي جاءا بمقترحات للرئيس البشير الذى لولا حسن خلقه وسعة صدره واكرام ضيفيه لطردهما من البلاد ولكن إرادة الله الغالبة شاءت أن يسقط الشعب المصري رئيسه ويطرده وأن يقتل الرئيس الليبي شعبه وأن يحتفظ الرئيس البشير بشعبه وأن ترتفع شعبيته خاصة عند مواطن الجنوب الذى ظل الرئيسان يزايدان عليه ويؤلبان حركته على حكومة السودان . العلاقات السودانية المصرية لن تنفصم عراها إذ هي علاقة طبيعية أسست لها الجغرافيا والتاريخ والدم والنيل والمصير ولكنها منذ قيام الدولة الحديثة فى مصر والسودان لم ترتق العلاقات الرسمية الى خدمة مصالح الشعبين الى أعلى سقوفاتها نعم فى أحلك الظروف لاتجد الحكومات مناصاً من الاستجابة للضغط الشعبي ولكن بما لايهدد قبضة النظام وتوجيه العلائق الطبيعية لما يخدم الأهداف الحكومية . وزيارات أبو الغيط - سليمان يعرف الشعب السوداني كله أهدافها ومقرراتها إذ ملف العلاقات السودانية بيد جهاز المخابرات وهومامنع أن تكتمل خطوات تنفيذ الحريات الأربع من الجانب المصري رغم التزام حكومة السودان بتنفيذ كل مايليها فى هذا الجانب . الصحافة الرسمية المصرية لم تكن عامل قوة وتمتين للعلاقات السودانية المصرية إذ ظلت طيلة العقود الأربعة الماضية تنتقص من مكانة السودان وقياداته وتسخر من النهضة التى يشهدها وتحتفى بمعارضي نظام الحكم فيه ويدعي صحفيوها أنهم الخبراء فى شئونه من خلال تحليلاتهم التى يسعون إليها فى الفضائيات والاذاعات وهم أضعف وأبعد مايكونون عن معرفة الشأن السوداني وطبيعة الميكانيزم السياسية فيه بل وفى كثير من الأحيان تكون تحليلاتهم ومعلوماتهم محل سخرية المتلقى السوداني ورغم ذلك تظل صورة السودان الغالبة هى مايرسمه هؤلاء فى وسائل الاعلام الدولية والعربية . زيارة الرئيس البشير كأول رئيس يزور مصر بعد ثورتها الشعبية كان لها أكثر من دلالة وعدد من المعانى وأهمها أن العلاقات الطبيعية الشعبية بين مصر والسودان لن تنهش أوصالها الصغائر وأن كل ماتسرب وأشيع وكل التقارير الخاصة عن العلاقات السودانية المصرية كانت كما أظهرت الوثائق المنشورة مؤخراً لخدمة مصالح أفراد وإن ساءت العلاقات أو توترت وأن السودان وبعيداً عن الصور العاطفية هو عمق مصر فى أمنها وسلامها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً . صمام أمان العلاقات السودانية المصرية الشعب الواحد فى جنوب الوادى وشماله .