زيارة ناجحة بكل المقاييس اختتمها أمس الخميس النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان طه إلى مصر، حيث عكس الاستقبال الرسمي والشعبي للنائب الأول مدى الاهتمام المصري بالزيارة والتأكيد على عمق العلاقات الرسمية والشعبية بين مصر والسودان، كما عكست الاتفاقيات ونتائج الزيارة وجود إراة سياسية لدى البلدين لتعميق العلاقات بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والشعبية. فقد اهتمت القيادة المصرية الرسمية بالزيارة بداية من اللقاء الذي جمع الأستاذ علي عثمان طه بالمشير محمد حسين طنطاوي القائد العام رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هذا اللقاء الذي تناول العلاقات بين البلدين بعد التحوُّل السياسي والتاريخي في مصر الشقيقة، وقد كان اللقاء حميمياً وعبّر عن أواصر العلاقات القوية بين البلدين حيث نقل الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية لسعادة المشير طنطاوي تحيات شقيقه رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير، وهو نفس المشهد الذي تكرر في رئاسة مجلس الوزراء حيث عقد لقاءً ثنائياً مع رئيس الوزراء السيد عصام شرف وذلك قبل الدخول في المباحثات الثنائية لوفدي البلدين وعقبها مؤتمر صحفي تحدث فيه رئيسا الجانبين السوداني والمصري أكدا خلالها على أن المستقبل الزاهر ينتظر العلاقات بين البلدين. وحرصا من النائب الأول على التواصل بنفسه مع جميع مكونات الشعب المصري جاء لقائه مع قيادات الأحزاب والنخب المصرية والمثقفين والإعلاميين بينها شيخ الأزهر وقداسة البابا شنودة وعدد كبير من رجال الأعمال المصريين والجالية السودانية بالإضافة إلى اللقاء مع الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية. ويكفي الإشارة هنا إلى ما أكد الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء المصري الذي قال:«إنه لم يكن هناك في السابق تخطيط إستراتيجي فيما يخص العلاقة بين البلدين هذا إذا نظرنا إلى العلاقة التاريخية بين السودان ومصر ومخرجاتها نجد مخرجاتها ضعيفة مما يؤكد أنه لم يكن هناك تفكير إستراتيجي في هذه العلاقة المهمة». وأضاف شرف أنه ما لم تكن هناك مصالح مشتركة سيكون هناك تذبذب في هذه العلاقة لذلك يجب أن تتحول العلاقة إلى خطة إستراتيجية. وأكد شرف أن الشفرة هنا تكمن في حق الشعبين في الحكم باعتبارها المعادلة نفسها وليست طرف في المعادلة، مشيراً إلى الهدف الأعظم وهو أن تتحول مصر إلى دولة ديمقراطية مما يؤدي إلى التنمية الاقتصادية، وأضاف شرف إننا نتطلع إلى تكامل اقتصادي مع السودان يعود إلى رفاهية شعبي السودان ومصر مما يتطلّب منّا الجلوس كدولتين والحديث عن القضايا بصراحة وشفافية، لنبدأ بداية جديدة خالية من التعقيدات، لأن مصلحة مصر هي من مصلحة السودان، وكما هو معروف أن أي شيء غالٍ ومهم لابد أن يكون من خلال دراسة وخطة إستراتيجية، ويواصل شرف الحديث: علاقتنا مع السودان شيء غالٍ ومهم لدينا مما يؤكد ذلك أن علاقتنا الاستثمارية زادت ثلاث مرات لكنها لم تصل إلى المأمول وسنعمل على زيادة استثماراتنا بما يخدم العلاقة بين البلدين. من جانبه شكر النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه مصر على حسن الاستقبال وعلى التفهم الذي جرى بين البلدين منذ زيارة شرف الماضية للخرطوم، وأن زيارة النائب الأول لمصر جاءت لتقديم الدعم المعنوي ومساندة الشعب المصري وقيادته والاستعداد للوقوف بجانبه في هذه المرحلة التاريخية المهمة، وقد قال النائب الأول كلمات قوية سيسمع صداها في مصر حتى بعد إنتهاء الزيارة «كلنا ثقة أن مصر ستعبر إلى بر الأمان والاستقرار بتوفيق الله سبحانه وتعالى وبإرادته ووعي الشعب المصري، وأضاف أن هذه الزيارة تناولت مسار العلاقات في الجانب الثنائي والمشروعات التي يجرى تنفيذها في الفترة الماضية والعقبات التي تواجهنا، واتفقنا أن ننتقل بهذه العلاقة إلى أفق إستراتيجي أوسع يقوم على المصالح المشتركة وتبنى على ترتيب الأولويات وأضاف النائب الأول أنه تم الاتفاق على أن المشروعات التي يجرى تنفيذها الآن وفي المستقبل أن يكون المفتاح فيها هو التخطيط الحكومي والتنفيذ الشعبي وطالب عثمان أن يعمل الإعلام على تصحيح الصورة التي تعرضت للتشويه في طبيعة العلاقة بين البلدين حتى تتجنب المشكلات السالبة وتتغلب عليها وبشأن التنسيق الثلاثي في قضية السد يجري الآن التشاور بين السودان ومصر وإثيوبيا للتنسيق حول موقف موحد نأمل أن يقود إلى تفاهم ثلاثي لمصلحة الدول الثلاث فيما يخص قضية مياه النيل. في لقائه مع قادة الرأي حيّا النائب الأول مصر وقالت إنها ظلت حاضرة في الوجدان السوداني بصفة خاصة ربما شابَهُ أحياناً كدر، لكن يظل الصفاء أعلى من الكدر ويظل التقدير لدور مصر أكبر من اضطراب الأمزجه. وأضاف ف«كلما كانت مصر قديماً بجانب السودان كان السودان كذلك بجانب مصر منذ آلاف من السنين التي شهدت حلقات من التناصر بين شطري الوادي ومن هنا فإن التاريخ الحديث يؤكد هذه الحقيقة. كما جاءت كلمات النائب الأول عن حركات التحرر التي قامت تنتفض ضد الإنجليز وترددت أصداؤها بين شطري الوادي لكن حركات التحرر عبر اعتصامات وتنظيمات استطاعت أن تطرد الاستعمار بثقله المادي المباشر، ولكنه لم يقنع بالهزيمة وظل يحاول العودة بصورة جديدة في محاولات الهيمنة والتحكم في مصائر الشعوب فانتبه الوعي الوطني. إشادة بالثورة المصرية وقد شدد النائب الأول خلال زيارته لمصر على التأكيد على أن السودان لن يتخلى عن مصر في هذه المرحلة التاريخية، وقال: «جئنا اليوم لنجدد عهداً قديماً، فكما كانت مصر قديماً بجانب السودان كان السودان أيضاً بجانب مصر». هذه الآلاف من السنين شهدت تداخلاً في العلاقات بين شطري الوادي والقارىء جيداً لتاريخ حضارة وادي النيل، مؤكدا أن النخب السياسية تستطيع أن تكمل المسيرة لتحقق الثورة أهدافها، وأضاف «علينا أن ننبه من يتحرك في الاتجاه المضاد، لأننا نقدِّر عالياً ما أثمرته الثورة المصرية وما يمكن أن يكون له أثر بعيد المدى. وجئنا نتحاور لأننا ندرك ثقل مصر. إشادة بالديمقراطية المصرية ولم يفوت النائب الأول الفرصة للإشادة بالثورة المصرية وقال إن الديمقراطية التي تقوم على دستور وعلى وجود برلمان عرفتها مصر قبل ثورة 52، فهل مصر المتجددة الآن هي ذات مصر التي تريد إقامة مؤسسات سياسية رغم نيل ذلك المقصد، وأضاف أنه لا ديمقراطية بلا مؤسسات لها رؤاها السياسية، ومرتبطة بالوجدان الشعبي، وتداول في السلطة واحتكام إلى الشعب والرضا بمقرراته ولكن ما هي المضامين من وراء هذا وما هي الغايات الأبعد؟. مشددًا على ضرورة الحوار مع مصر مع التأكيد أن مصر لا تغفل عنه، ولكن لابد أن تنتبه آليه جيداً وأن الناس في خضم هذا الاندفاع الآن نحو تنفس الحريات ونحو التنافس في الكسب السياسي ونحو إنشاء المؤسسات لابد أن ينتبهوا إلى أن جملة هذا الذي يسعون نحوه وتابع: لابد أن تكون له قاعدة صلبة وأهداف عليا وهذه القاعدة هي ضمان أن يظل الشعب حاضراً وسيداً لقراره وأن تشعبت صور التعبير عنه من خلال هذا التفويض وهذا الوزن النسبي لابد أن تظل القدرة الشعبية موقدة. نعم كانت زيارة ناجحة ومميزة وتعكس الاهتمام السوداني بمصر الذي كان واضحاً من زيارة فخامة الرئيس عمر البشير الذي كان أول رئيس يصل مصر بعد الثورة.