المشهد يشابه غيره من المدارس والأماكن في مثل هذا اليوم الذي تعيشه كل أسرة سودانية بإحساس خاص وشعور مختلف .. لكن الطقس في مدرسة كوستي القديمة بنات كان مختلفاً صباح أمس .. مشاعر أسرة المدرسة توزعت بين استقبال الضيف الكبير ومرافقيه .. ومراقبة الطالبات وهن يتهيأن للورقة الأولي من كتاب امتحانات الشهادة السودانية للعام 2011 .. طريقة ترتيب المكان تنم عن ذوق المعلم في بساطته وروعته وحرصه علي التفاصيل الدقيقة .. تجبرك البيئة المدرسية في القديمة بنات علي التأمل في تنسيق الزهور .. وتعهدها بالرعاية والسقاية .. يقف من وراء هذا ذوق وفلسفة المدرسة والبيئة الصديقة والتي يمكن أن تكون واقعاً معاشاً في كل مدرسة من مدارسنا .. ولو كان الاعتذار عن هذه الأمنية الحلم وتعليل صعوبتها بأي عذر من الأعذار ففي كوستي القديمة بنات الإجابة العملية .. هنا تم التوظيف الأمثل ( لفوارغ ) عبوات المياه وعلب الحلوى وبراميل البلاستيك لتكون إطاراً رائعاً وحياً تخرج منه أكمام الورود الحية بألوانها وأنفاسها المتحدثة بصمت الجمال الطبيعي الخلاب !! في صمت مهيب .. ووقار جليل جلس المهندس علي آدم عليان نائب والي ولاية النيل الأبيض في المكان الذي أعدته أسرة المدرسة .. عليان هو وزير التربية بالولاية .. وحضوره هنا ليشهد بداية المناسبة التي يختلط فيها الخوف بالرجاء .. وتتداخل خيوط الأمل بغد أفضل ومشرق .. وإحساس يعاش ولايحكى في دواخل المعلمين والمعلمات الذين أدوا ماعليهم ويرقبون في صمت مايفعل تلاميذهم في يوم يكرم المرء فيه أو يهان !! اقتطعت أسرة المدرسة من مصاريفها لإكرام الضيوف .. وزعوا علينا الحلوى والتمر والفيشار بفرح !! .. لا أذكر كم قطعة تناولت من كل نوع .. لكنني (كرعت ) من قارورة المياه وأنا أسترجع شريط الذكريات لسنوات خلت عندما جلست في زمانئذ لمثل هذا الامتحان .. في زماننا ابتدرنا الامتحانات بورقة اللغة الانجليزية .. لكن طلاب يومنا هذا ( باركوا ) امتحاناتهم بورقة التربية الإسلامية .. أو ورقة ( الدين ) كما كانت تكتب علي جدول الامتحانات الذي حفظناه من فرط الخوف والقلق أكثر من حفظنا لقصائد بعينها من المقرر !! لم أسأل المهندس عليان عن شعوره صباح أمس وهو يقف دقائق قبل أن يمسك بالجرس (ثقيل الوزن ) ليقرع حبته وجلته ايذاناً بصفارة الزمن الرسمي لشوط الامتحان بساعاته الثلاث .. لا راحة فيه إلا بصوت المراقب ( مضي .... نصف ... الزمن ) .. و( تبقي ربع ساعة من الزمن .. ثم النداء الأخير ) ضع القلم .. انتهي الزمن )) !! ..لم أسأل وزير التربية عن مشاعره .. لكن حاله كان يحدث عن عودة الى مثل هذا الوقت والزمان في أيام خلت .. استعاد الرجل بلا شك ذكريات عزيزة .. وأيام خلت عاشها طالباً .. ووالداً وحاكماً ووزيراً !! .. طالبات مدرسة كوستي القديمة بنات كن في شغل آخر عن الترحيب الذي بثه أحد الأساتذة الكرام وهو يعرف تلميذاته بوزير التربية ونائب الوالي بالولاية وضيوفه الذين جاؤوا للاطمئنان علي بداية وسير الامتحانات بكل مراكزها والتي تبلغ 158 مركز بمحليات الولاية المختلفة .. هذا وقت التدقيق في ورقة الامتحان وكسب الوقت للإجابة .. ملاحظة دقيقة عبر عنها وزير التربية لمديرة المدرسة ونحن في طريق المغادرة .. قال لها إن طالباتها ( ثابتات ) (وراكزات ( و خطهن ) جميل )!! .. أجابت بثقة ( ديل بناتي !!) .. رددنا جميعاً ماشاء الله .. ثم انطلقنا برفقة نائب الوالي الى مراكز أخرى في كوستي انتهت بمدارس الأندلس الخاصة .. هنا أيضاً تقابلك البيئة المدرسية التي ينقصها فقط ( بلاط أو سيراميك إن تيسر ) للبرندات ولا مانع إن بقيت الرملة الجميلة علي وجه الحوش الفسيح !! هذه صورة قلمية مصغرة لليوم الأول من امتحانات الشهادة السودانية بولاية النيل الأبيض والتي عبرت بسلام وطوى 982 24 طالب وطالبة الورقة الأولى بهدؤ .. لكن جدلاً ربما يتكرر هنا وفي مدارس أخرى من ولايات السودان المختلفة .. وسبب الجدل المرتقب سؤال إجابته المطلوبة نعم .. أو لا !! .. والسؤال هو : استعمال موانع الحمل أقل ضرراً من كثرة الإنجاب !! .. وضعت هذه الملاحظة بين يدي عدد من أساتذتي وخبراء التعليم الذين تشرفت بمرافقتهم في جولة الأمس .. لم يقطع أحدهم بالإجابة المطلوبة لكن مازاد حيرتي أن إحدى الطالبات بمدرسة ربك القديمة بنات قالت لي بعد خروجها من الامتحان ( أنا غايتو جاوبت حسب المطلوب في المقرر .. لكن لو داير الإجابة حسب تعاليم الدين ممكن أقول حاجة مختلفة !! ) والسؤال هنا : هل هنالك اختلاف بين مطلوبات المقرر ومطلوبات تعاليم الدين ؟!! ربما نعود للإجابة قبل البدء في تصحيح الامتحانات والتي لاتزال تبحث عن منطقة لمركزية تصحيحها كل عام !! تحية صادقة لأساتذتي في كل مكان بهذه المناسبة التي تتجدد عندهم كل عام بطعم ومذاق مختلف !!