إذا نظرنا من حولنا هذه الأيام نلحظ آثار الثورة الشبابية الشعبية في تونس التي أطاحت بحكم الرئيس زين العابدين بن علي.. والذي يهمنا هنا الحديث الذي جاء في أجهزة الإعلام المختلفة مقروءة ومسموعة ومرئية وفي شبكات الانترنت.. عن الثروة الطائلة التي اكتنزها زين العابدين بن علي والسيدة حرمه ليلى الطرابلسي.. وليت الأمر وقف عند هذا الحد.. بل امتد الفساد المالي إلى أسرتها.. فامسكوا بمفاصل المال والاقتصاد وأجهزة الدولة التنفيذية وعالم الرياضة ودنيا الإعلام واحتفظوا لأنفسهم بأرصدة كبيرة في بنوك دول أوربية.. وامتلكوا العقارات في مختلف دول العالم وكأنهم باقون في الدنيا وفي السلطة حتى قيام الساعة.. ومعظم أهل تونس في فقر يكابدون شظف العيش ويعرض البعض منهم حياته للخطر بالموت غرقاً في محاولات الوصول إلى سواحل أوربا عبر البحر الأبيض المتوسط في قوارب لا تصلح للإبحار وفي عمليات تهريب يتصدى لها خفر سواحل تلك البلدان وأسرة بن علي تستمتع بالأموال وبرغد العيش وفي النهاية تم الحجز على تلك الأموال في تلك البنوك وفي تلك البلدان الأوربية.. فلا هم استفادوا منها ولا هم صرفوها على شعب تونس صاحب الحق فيها.. وخير ما فعلت أسرة بن علي وبن علي نفسه مغادرة تونس وتركها في سلام على عكس ما نشهده هذه الأيام في أرض ليبيا الطيبة من معاناة واقتتال يحارب فيها رأس الدولة شعبه يا للعجب.. وقد بدد القذافي أموال الشعب الليبي وهو في السلطة لاثنين وأربعين عاماً.. في تعويضات بمليارات الدولارات لجرائم ارتكبها في تفجير طائرات وملهى ليلي في برلين.. أردت الحادثة الأخيرة أن تستهدفه الولاياتالمتحدةالأمريكية وترسل طائراتها لاغتياله فتضرب مقر إقامته في باب العزيزية، ويبدد أموال ليبيا في تمويل المعارضة السودانية من الراحل جون قرنق إلى خليل إبراهيم بشراء السلاح ومعينات الحرب من ذخيرة وآليات ومركبات.. ويدفع رواتب أعضاء حزب العمال البريطاني المضربين عن العمل وتصل أموال ليبيا المبددة إلى نيكاراجوا وسفينة مشحونة بمحاولاته امتلاك أسلحة نووية يقوم بتسليمها للولايات المتحدة طوعاً واختياراً وهي من أموال الشعب الليبي.. وبعد هذا كله يدخر خارج البلاد أكثر من مائة وثلاثين مليار دولار من أموال الشعب الليبي وتحوز ابنته عائشة على أموال كبيرة أيضاً.. وتقول الأنباء إنها كانت تملك شركة طيران تنافس الناقل الوطني-الخطوط الجوية الليبية- وأولاده أيضاً في نعيم حتى أن سيف الإسلام يمتلك كما جاء في الأخبار.. بيتاً فخماً في حي نايتسبيرج الممتاز في قلب لندن، ومن متاع الدنيا يتخذ القذافي من النساء حرساً خاصاً به عذراوات وأخريات للتمريض.. وبعد كل هذه النعم من خيرات ليبيا وممتلكات الشعب الليبي يتعرض القذافي لثورتهم التي تطالبه بالرحيل.. بالرصاص بالبر والبحر والجو.. ويهدد شعبه بالموت وبتفتيش المدن بيتاً بيتاً.. وغرفة غرفة.. وزنقة زنقة، وهذه صارت نكتة.. ففي الثورة الليبية تأتي الطرفة من القائد.. بينما في الثورة الشعبية المصرية تأتي الطرفة من الجماهير وشعب مصر معروف بالطرفة والهزل والفكاهة.. ولما اشتدت الوطأة العسكرية على المدنيين الليبيين من كتائب القذافي اضطر مجلس الأمن لاتخاذ القرار 1973 بفرض حظر جوي في سماء ليبيا.. وتقوم بريطانيا وفرنسا والولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا وألمانيا وبعض الدول العربية بتنفيذ القرار، فتتعرض الدفاعات الجوية الليبية إلى التدمير والآليات والمدرعات والمنشآت المستعملة مراكز للقيادة العسكرية بواسطة القذافي وأبنائه لكتائبه وجميعها من أموال شعب ليبيا.. يا للدمار الذي سيخلفه القذافي وراءه مع أبنائه بعد كل هذه المدة التي قضوها مستمتعين بأموال ليبيا وشعبها الذي قهروه.. ومما لا شك فيه أن التحالف الدولي الذي يقوم حالياً بالعمليات العسكرية ضد القذافي لحماية المدنيين، سيغطي تكاليف هذه العمليات من الأموال المحجوزة المملوكة لمعمر القذافي وأنجاله وأسرته.. خسارة مركبة أموال تذهب ودمار في ليبيا من التحالف ومن كتائب القذافي.. والوضع في مصر ليس بأفضل من السابقين، فقد رحل محمد حسني مبارك ورددت الأخبار أنه امتلك أكثر من أربعين مليار دولار، هذا غير ما ادخرته زوجته وولداه علاء وجمال في بنوك أوربية من أرصدة.. وما اشتروه من عقار ات في لندن وغيرها.. ومبارك ترك السلطة دون أن يطلق رصاصة على الرغم من محاولته مقاومة مطالب المتظاهرين له بالتنحي.. ولكنه أخيراً استجاب لهم.. بينما نرى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يقاوم وقد حكم اليمن لثلاثة وثلاثين عاماً ولا ندري ماذا سيفعل الرئيس السوري بشار الأسد وقد بدأت بوادر الانتفاضة في مدينة درعا.. والقاسم المشترك عند هؤلاء الرؤساء هو البعد عن الجماهير والتعالي عليهم وعدم وجود قربى بين الراعي والرعية.. ونعود إلى عنوان المقال- رحم الله عبود ونميري- فالفريق إبراهيم عبود ترك السلطة بمنتهى البساطة وقيل إنه لما رأى وسمع المتظاهرين يهتفون سأل عن ماذا يريدون؟.. فقالوا له إنهم يريدون منك التنحي.. فما كان منه إلا أن أعلن حل المجلس العسكري الحاكم وسلم السلطة إلى حكومة انتقالية ترأس مجلس وزرائها الراحل سر الختم الخليفة.. وكان ذلك فيما عرف بانتفاضة الحادي والعشرين من أكتوبر 1964.. وكانت هذه الانتفاضة هي الأولى في العالم العربي- سلمية- وسالت فيها دماء الشهيد الطالب القرشي من جامعة الخرطوم، والمعروف أن الفريق إبراهيم عبود مات فقيراً وكان يذهب إلى السوق بنفسه لشراء مستلزمات بيته من لحم وخضار وغيرها.. وكان الجمهور في سوق الخرطوم كلما جاء يلتفون حوله ويهتفون(ضيعناك وضعنا وراك).. فلم يترك أرصدة في بنوك ولا عقارات في الداخل والخارج.. ونميري الذي جاء إلى السلطة في انقلاب عسكري في الخامس والعشرين من مايو 1969 ذهب عن السلطة في انتفاضة أبريل 1985 وهو في زيارة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، واستقر به المقام في القاهرة.. ثم عاد إلى الوطن في عهد ثورة الإنقاذ هذه حتى توفاه الله عزيزا مكرماً.. فلم نسمع عن فساد لأسرة الرئيسين الراحلين عبود ونميري.. ولا ممتلكات لهما في الداخل والخارج.. ولا أرصدة ولا ذهب ولا فضة.. وحتى لو امتلك الأخير(نميري).. لا يمكن مقارنة ما امتلك بما تركه بن علي ومبارك وراءهما.. والقذافي سيحذو حذوهما.. وبهذه المقارنة فإنهما عبود ونميري كانا يستحقان الزكاة.. والنميري الذي اشترى منزلاً في مدينة لندن في حي الوادي المشمس Sunning Daleاشتراه باسم حكومة السودان، وقامت السفارة ببيعه واستفادت من العائد في شراء سكن للدبلوماسيين داخل لندن، لأن ذلك الوادي يبعد من لندن حوالي ثلاثين كيلو متراً.. وبينما افتقد بن علي ومبارك والقذافي أي صلة لهم بالشعب.. كان نميري يلتقي بشعبه في برنامج شهير مرة واحدة في الشهر (لقاء المكاشفة).. يتلقى فيه أسئلة الجمهور ويرد عليهم ويقرأ عليهم من الرسائل التي وصلت إليه والرد على أصحابها- شيء أفضل من لا شيء- ومباشرة على الهواء. قصدت بالمثالين عبود ونميري في هذه المقارنة لأنهما من العسكر.. فكذا بن علي ومبارك والقذافي وعلي عبد الله صالح في اليمن.. وهذا بالطبع لا يمنع أن نذكر أن الزعيم إسماعيل الأزهري مات فقيراً وبنى منزله بسلفية من البنك التجاري السوداني.. وعندما رحل إلى الدار الآخرة كان الباقي عليه لصالح البنك عشرة آلاف جنيه سوداني.. وقد أراد البنك بيع البيت لرد المبلغ المتبقي.. فأمر الرئيس الراحل نميري بإعفاء المبلغ عنه وتمت تسوية الموضوع مع البنك التجاري السوداني.. هكذا تقول الرواية ولا نشك في أن العسكري الثالث لا يقل منزلة عنهم. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبلهم مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.. وعاش السودان حراً مستقلاً معلماً للشعوب.