بعد استقالة ( سكودغرايشن ) وترشيحه سفيراً لها في كينيا ، أعلنت الولايات المُتّحدة الأمريكية عن تعيين الدبلوماسي المُخضرم ( برينستون ليمان) مبعوثاً خاصاً جديداً لها في السودان والذي سبق وأن عمل سفيراً بكل من نيجيريا وجنوب أفريقيا إضافة إلى تكليفه العام المنصرم بمساعدة غرايشن في ملف استفتاء حق تقرير مصير الجنوب . أوباما قال عن ( برينستون ليمان ) إنه يمتلك خبرة طويلة في معالجة التحديات في أفريقيا و مؤهل بشكل فريد لمواصلة الجهود الأمريكية في دعم مستقبل سلمي ومزدهر للشعب السوداني ، أما (هيلاري كلينتون )فقد أبدت وهي تُعلن تعيين المبعوث الجديد ارتياحاً واضحاً بالطريقة المُتحضّرة التي أُقيم بها الاستفتاء وأشادت بالدور المهم الذي لعبته حكومة الخرطوم في تهيئة المناخات المواتية لإتمام هذه العملية والاعتراف بالنتائج المتمخضة عنها ، وتمنت أن تسير الأمور في المستقبل على نحو طيب . والواقع أنّ الترحيب الذي وجده خبر تعيين المبعوث الأمريكي الجديد من القوى السياسية السودانية يؤشر إلى أن هناك رهانات كبيرة على ( برينستون ليمان ) الذي تنتظر منه الأطراف المختلفة أن يفعل شيئاً ويحدث اختراقات حقيقية في العديد من الملفات الخلافية العالقة . حكومة الخرطوم تُريد ومعها حكومة الجنوب أن يُسهم المبعوث الأمريكي الجديد في حلحلة ملفات مازالت مُستعصية بين الشريكين في مقدمتها قضية أبيي والمسائل المُتّصلة بترسيم الحدود وتقسيم الإيرادات النفطية وحسم موضوع المواطنة وغيره من ملفات أخرى لم تحسم بعد . غير أنّ حكومة الخرطوم مُنفردة تنتظر أكثر من ذلك ، حيث باتت تشعر أنّ الوقت قد حان لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإسقاط الديون الخارجية وهو ما ظلّت تعد به واشنطون وبخاصة بعد إجراء الاستفتاء بطريقة سلسلة وآمنة وشفافة دون أن تفي بوعودها أو تقدم جدولاً زمنياً واضحاً للخطوات التي يمكن أن تعزز التطبيع الإيجابي بين الخرطوم وواشنطون . وحكومة الجنوب مُنفردة أيضاً تبدو أكثر ثقة في أن ( برينستون ليمان ) سيقدم أشكالاً مختلفة من الدعم لحكومة الجنوب الوليدة والتي ظلت ترعاها بشكل مُعلن الولاياتالمتحدةالأمريكية وترى أنها تمثل مدخلا إستراتيجياً لوجودها المؤثر في أفريقيا وهو ما كشفت عنه ( وثائق ويكليكس ) من أدوار مختلفة لمبعوث أمريكا السابق غرايشن في دعم الجنوب وعلى نحو ربط استبداله ب ( برينستون ليمان ) تحاشياً للحساسية التي يمكن أن تنشأ لدى حكومة الخرطوم بسبب تلك المعلومات السرية والتي وصلت إلى حد الحديث عن صفقات للأسلحة . أما أمريكا فالذي يعنيها من نجاح مبعوثها الجديد إلى السودان هو استكمال ما بدأته من رعاية لملف سلام نيفاشا وبشكل يضمن (نهاية سعيدة) تتجاوز العقبات الخلافية بين الشريكين لأن ذلك سيكون أهم إنجازاتها في السياسة الأمريكية الخارجية ويمكن أن يحسن كثيرًا من صورة إدارة أوباما في الانتخابات المقبلة التي لم يتبق لها أكثر من عام وبضعة أشهر . ( برينستون ليمان ) المبعوث الأمريكي الخاص الجديد الى السودان مطلوب منه الكثير ورغم خبرته بالملفات السودانية وقدرته على حلحلة القضايا الأفريقية المعقدة كما تحدثت عنه إدارة أوباما لكن طبيعة المشكلات التي تنتظره ليست بالسهلة ويبدو الطريق أمامه مفروشاً بالأشواك وليس بالورود ، فمعالجة قضية أبيي مثلاً قد تضطره لخسارة أحد الشريكين في السودان ، وعدم استجابة واشنطن لمطالب الخرطوم بضرورة تنفيذ الوعود الأمريكية قد يجعل الحكومة أقل حماساً في التعاون معه مما سيُعيد حالة الشك وعدم الثقة الى الواجهة ويعطل خطوات التطبيع السوداني الأمريكي ، كما أن انشغاله بملفات أخرى ومنها ( دارفور ) سيُشتت الكثير من جهده وقد يدخله في تقاطعات سياسية تؤثر على ملفه الأساسي وهو تأمين مستقبل دولتين في الشمال والجنوب بعيدتين عن النزاع والحرب . ماوراء اللقطة : رغم التحديات التي تواجه المبعوث الأمريكي الجديد لكن فرص نجاحه تظل قائمة في حال تخلت واشنطون عن سياسة الالتفاف والاحتواء وانتهجت الشفافية والوضوح وحددت أهدافها بشكل صريح ومعلن بعيدًا عن الوقوع في الأجندة الخاصة التي جعلتها تفقد الكثير من المصداقية وهي تتعامل مع ملفات السياسة الخارجية ، كذلك لابد أن يبدي الشريكان تعاوناً إيجابياً ملموساً في المرحلة المقبلة من أجل الوصول الى تسويات واقعية تنهي الخلافات وتحقق الأمن والاستقرار للسودان بدولتيه في الشمال والجنوب.