العلاقة بين الشمال والجنوب ظلت لغزاً يكتنفها الغموض قرابة الخمسين عاماً الماضية.. حتى بعد نيفاشا ظلت المرارات والضغائن معياراً أساسياً للعلاقة بين الجانبين، وبالرغم من أن حزب المؤتمر الوطني شريك الحركة الشعبية في اتفاق نيفاشا، قلب صفحة الماضي وظن أن النفوس تطايبت وأن هناك عهداً جديداً هلّ على السودان لما فيه المنفعة والخير والسلام والتنمية وتحسين الأحوال خاصة بالجنوب، إلا أن عدداً من القادة السياسيين من الجنوب اعتقدوا أن حكومة الشمال يعتريها الخوف والتردد من ساسة الجنوب. الساسة الجنوبيون منذ نيفاشا مارسوا العديد من أساليب الابتزاز والمساواة ورفع سقف المطالب في أي موقف وطني، بل بلغت بهم درجة الجرأة والتخبط تبني أجندات خارجية تصيب الوطن السودان الأم في مقتل. الحركة الشعبية خلال مسيرتها مع حزب المؤتمر الوطني كانت في خلاف دائم وكانت أصوات المشاغبين فيها هو الصوت العالي والنشاز، ومواقفها حيال القضايا القومية والوطنية كانت مخزية.. ولعل الدور السلبي الذي لعبته في معالجة قضية دارفور كان خصماً على رصيدها باعتبارها حركة نضالية تدعي أنها تنشد السلام، وهدفها خلق وطن جديد.. ولا ندري أي سودان تعني- سودان الجنوب أم السودان الكل الموحد- لم تكتفِ الحركة الشعبية بدق الأسافين لعرقلة المسيرة الوطنية وإضعاف المؤتمر الوطني شريكها في الحكم، بل عمدت أيضاً إلى إشعال النيران في عدد من القضايا الداخلية مثل قضية أبيي وجبال النوبة وشرق السودان وجنوب كردفان، وكانت الطامة الكبرى عندما تحالفت الحركة الشعبية مع المعارضة الشمالية لإسقاط النظام.. وفي أكثر من مرة جاهرت بالقول في المنتديات المحلية والإقليمية والدولية.. المعارضة الشمالية التي عجزت عن لم شملها لتصارع المؤتمر الوطني حتى في الانتخابات العامة.. ورغم المؤامرات والدسائس والمواقف المتعنتة، ظل حزب المؤتمر الوطني حريصاً على الإبقاء على علاقة متوازنة دون أي تصعيد أو تأزيم.الآن تعيش الحركة الشعبية في حالة من عدم الرؤية وما زالت الأمور بالجنوب دون حراك منذ أن اختار الجنوبيون الانفصال عن الشمال وتكوين دولتهم ذات العرقية الأفريقية، اختاروا طريق البعد عن الشمال واختيارهم تم بضغوط من الساسة الجنوبيين الذين لم يقرأوا التاريخ جيداً، ولم يحسبوا المستقبل وفق معايير موضوعية، بل كل ما يهمهم هو حكم الجنوب دون النظرة الشمولية للتغيير وتحسين أوضاع مواطني الجنوب البسطاء وتغيير نمط حياتهم واقتصادياتهم.الآن الصورة الماثلة أمامنا للشمال أن الحراك التنموي لم يتوقف وأن حكومة الشمال ماضية في تنفيذ برامجها وسياساتها الرامية لخلق سودان الغد.. سوداناً يتقلد الريادة والقيادة لكل أفريقيا والشرق الأوسط.. سوداناً يمد العالم بكوادره البشرية وإمكاناته الطبيعية وموارده وثرواته. أمامنا الآن جيل جديد ودماء حارة وقلوب مليئة بحب الوطن والوطنية الخالصة.. شباب هم نواة البناء والتعمير وهكذا الشمال الآن يتقدم ويتقدم لكننا وحتى لا يفهم أحد ماذا يجري بالجنوب.. السؤال المطروح والذي يحتاج لإجابة شافية: متى يخطو الجنوب خطوة واحدة لنقول جميعاً تهانينا الحارة.. بدأ الحراك في الجنوب!!