خسرت المعارضة كثيراً من انفصال الجنوب.. ولا ينكر أحد أن أحزاب المعارضة الشمالية لعبت دوراً في دفع عدد من سياسي الجنوب للسير عكس تيار الوحدة، وتفضيل خيار الانفصال.. أحزاب المعارضة الشمالية أرادت أن ينفصل الجنوب لتقول إن حزب المؤتمر الوطني مزق وحدة الوطن ودفع الجنوبيين إلى خرق كل الاتفاقات التي تؤيد الوحدة كخيار أفضل للجنوبيين لبناء نهضتهم وتطوير مجتمعهم. كانت اللعبة مكشوفة وكلفت أحزاب المعارضة ثمناً غالياً لذلك النهج لكن عودتنا أحزاب المعارضة التقليدية أن السياسة لعبتها المفضلة وتجيد فن المؤامرات واستخدام الأساليب الملتوية للوصول إلى أهدافها.. وعاشت على هذا المفهوم عقوداً من الزمن.. وأن السودان بكافة ربوعه ملك خالص لرموزها التقليدية وأن أغلبيتها المكيانيكية والذين ينتمون إليها تؤهلها لكسب الانتخابات وتشكيل حكومات واستلام السلطة من العسكرتارية.. لكنها أغفلت تماماً أن العالم يتغير وهي لا تتغير وتعيش على أوهام وتهيئات وأحلام يوتوبية.. وهي حقاً تعيش في أجواء الوهم والسراب حتى صار حالها اليوم لا تحسد عليه.. وعجزت عن مقاومة تيار التغيير وتكنلوجيا العصر وأسرار عالم الفضائيات.. وعجزت تماماً عن تجديد عضويتها واستقطاب دماء شبابية حارة واكتفت بتعاليم شيوخها الذين فاجأتهم الشيخوخة والموت الدماغي.. فصارت تكذب كل يوم وتردد ما تعجز عن الإقدام عليه وأن باستطاعتها إسقاط النظام وتنظيم مسيرات ورفع شكاوى للمنظمات العالمية وتحريض المواطنين الآمنين.. ولكن المحصلة لا حياة لمن تنادي. الآن المعارضة الشمالية في حالة يرثى لها خاصة بعد أن تباعدت المسافة بينها وبين الحصان الرابح (الحركة الشعبية)، الذي استفاد من المعارضة وكبر (كومه) وتركها في وادٍ غير ذي زرع تحترق بشمس الاستوائية الحارة، وتعرضت لأمطار غزيرة وفيضانات هادرة جرفتها إلى النيل، ولما دبت الحياة في أوصالها وجدت نفسها على شواطيء أبي روف وشمبات. خسارة المعارضة كبيرة، أولها أنها خسرت الوطن عندما تحالفت مع أعدائه لتدميره خاصة بعد أن خلطت أوراق اللعبة، ولم تستطع أن تفرق بين الدفاع عن الوطن فيما يختص بالقضايا الوطنية، وبين استخدامها أساليب النضال المشروعة ضد الحزب الحاكم وكيفية إسقاطه باستخدام كافة الوسائل الديمقراطية لإزاحته من الحكم.. ومن خلال العقدين السابقين كانت مواقفها سلبية وكأنها تريد أن تجيء لها السلطة فوق طبق من الذهب باعتبار أنها الأوفر حظاً من أي حزب سياسي لحكم البلاد. كان من الأفضل للمعارضة الشمالية أن تضع يدها بيد الحزب الحاكم إذا كانت تجيد لعبة السياسة الحديثة.. فالقضايا العويصة التي تواجه الوطن حالياً، شاركت المعارضة في تأزيمها وتعقيدها.. وهي قضايا تواجه أي حكومة بالشمال والآن يعكس المشهد السوداني تحولاً كبيراً بعد أن اختار الجنوبيون خيار الانفصال وتكوين دولتهم الخاصة بهم، والحراك الجنوبي نحو الجنوب بدأ الآن وهنا خسارة أخرى للمعارضة الشمالية، فقد فقدت أيضاً قطاعاً مهماً آخر من أبناء الجنوب اعتاد أن يسير خلفها بتأثير من مشاغبي الحركة الشعبية.. وبعد التاسع من يوليو القادم ستبكي المعارضة على انقضاء شهر العسل بينها والحركة الشعبية. عموماً ما زالت المعارضة الشمالية تكذب وتتوهم أن لها قاعدة جماهيرية ولكن المواقف الحرجة كشفت أكاذيبها ودحضتها الحقائق.. فالرسالة تركها أحد السياسيين ووجدت بميدان أبو جنزير (حضرت ولم أجدكم).. فإذا أخضعنا هذه العبارة لتحليل سياسي موضوعي يمكن القول.. لم يتبقَ من أشلاء المعارضة إلا أجزاء تئن وتتألم.. في وضح النهار.. أما ليلاً فالمعارضة جثة هامدة.