مهلاً أحبتي.. وعفواً قرائي الكرام.. هذا العمود اليوم سياسي من أخمص الأقدام وحتى آخر سبيبة من حرف أو نقطة أو شولة.. إنه عن الاعتذار.. ليس الاعتذار ذاك الأنيق الغارق في الدموع.. دموع الشعراء.. ونواح المطربين ولكنه اعتذار الحكومة أو الإنقاذ المتعجرفة المتألهة المتكبرة على جماهير شعبها.. ولكن لا بأس.. أن نسمعها روعة الاعتذار وسماحة القبول والسماح والمسامحة.. غناءً وشعراً.. وحتى نثراً.. ولا بأس أن نشرح لها رغم تعنتها و «قوة رأسها»..روعة الاعتذار ذاك الذي يغسل القلوب والنفوس حتى تصير وتصبح أكثر بياضاً.. ودعونا نبدأ بالمقدمة الموسيقية المترفة.. قبل الدخول إلى جلسة الاعتذار الصاخبة التي اعتذرت فيها الحكومة للشعب السوداني.. وهي تتبرأ من المصائب.. والنوازل والأهوال التي مارستها تجاه شعبها السوداني الصابر المسكين الجريح.. مقدمتها الموسيقية هي شرح وتفسير وتعظيم الاعتذار.. والاعتذار أحبتي لا يصدر إلا من نفوس عامرة بالحب محتشدة بصفات الإنسانية الشاهقة الباهرة.. لا يصدر إلا من قلوب تفيض نبلاً وتحتشد علواً ومجداً.. إنه لا يصدر إلا من قوي أنسي الجنان نظيف الفؤاد.. واثق من نفسه.. متصالح مع ضميره الذي لا يجد راحة ولا شفاء عند لحظة ارتكاب الأخطاء.. إلا بالاعتذار الذي يمسح ويجلو صفحات المعتذر له لينسى حجم الانتهاك ويغفر ألوان الظلم مهما كان بشعاً ودامياً.. راجعوا كل جداول الغناء.. وتحديداً تلك التي يعترف فيها الشعراء في شجاعة بأخطائهم.. ثم يهطل مطر الاعتذار مدراراً.. عله يغسل من فؤاد الحبيب ما ران عليه من قسوة أو ظلم أو غلظة.. بعدها كيف تهدأ النفوس و«يرتاح البال».. ويمضي زورق الأحبة منزلقاً على النهر أو الجدول.. ونمشي حفاة.. على روعة حدائق الاعتذار المكسوة بروعة العشب الأخضر.. ولا نجد شيخاً «لطريقة» المعتذرين.. أجل مقاماً.. وأعلى وساماً من الصديق الأنيق محمد يوسف موسى.. نعم إنه أخطأ.. «ووقعت» منه كلمة تصدع لها بنيان المحبوب.. ولكن.. وفي سبيل الاعتذار.. لم يترك محمد يوسف.. دمعة واحدة من مطر دموعه إلا وجاء بها.. لم يترك حرفاً واحداً من حروف الاستعطاف و «الحليفة» إلا وهتف به أمام المحبوب.. إنه يعتذر في «جرسة» لم يسبقه عليها أحد.. ويبلغ الاعتذار مداه.. عندما يصل إلى.. كلمتي المست غرورك وفرقتنا يا حبيبي مش خلاص كفرت عنها بي تسهدي بي نحيبي بالليالي المرة عشتها وحدي في ناري ولهيبي.. وبرضو ما رضيان تسامح يا صباحي يا طبيبي.. إنه اإعتذار يفتت القلوب..ويلين الحديد..ولكن.. كان فؤاد المعتذر له.. بل قلبه أقوى من الحديد.. وأجبر من قلب اليزيد.. واعتذار آخر.. يقبله ذاك الوديع البديع.. الذي كتب للتسامح كما لم يكتب أحد قبله.. يبدأ مشوار العناد ورفض الاعتذار في حديدية وتصميم.. في كبرياء ورفض يغلق كل النوافذ والأبواب والدروب.. فقد كانت الصفعة مدوية و الغلطة فادحة.. ولكنه أخيراً يغفر يقبل الاعتذار ويصفح.. صحيح إن الصفح كان لمعاني وليس لذاك الحبيب الذي أخطأ.. ولكن يبقى أنه صفح وقبول اعتذار وغفران.. نعم إن الأغنية تبدأ بالرفض الصارم المطلق.. كيف لا والرجل يبدأ مخاطباً المحبوب.. جاي تترجاني أغفر ليك ذنبك.. ما كفاية الشفتو من نارك وحبك.. إنت فاكر تاني أرجع ليك واعاتبك.. لا..لا.. يا هاجر دربي أصبح ما هو دربك.. ورغم أنه أوصد الأبواب.. إلا إنه أخيراً.. قال.. برضو سامحتك لحبي ما لأ جلك.. للمعاني الكنت بنظم فيها حولك.. والحقيقة كل أملي أبقى جنبك..أصلي بعدك ما هويت ولا حتى قبلك.. ثم.. غداً نكتب لكم عن اعتذار الحكومة لنا..وقبولنا الاعتذار.. بعد أن نطوف على مانديلا.. وجنوب أفريقيا.. وإلى غد..