تجسد جامعة الإمام المهدي بولاية النيل الابيض المثال الشاخص لتجربة الجامعات القومية بالولايات، وتقلباتها المستمرة بين التقدم والتأخر.. النجاح والفشل.. الاجتهاد الخاص وضعف التنسيق بين المركز والولاية من جهة، والجامعة والولاية من جهة أخرى.. وسنشير الى كل هذا في ثنايا هذه الزاوية.. لا ينكر إلا مكابر التغيير الهائل الذي أحدثته الجامعة في مجتمع الولاية منذ قرار إنشائها قبل 16 عاماً، حيث حفلت بانجازات ضخمة في مختلف المجالات.. ساهمت الجامعة في تأهيل وتخريج أعداد مقدرة من الخريجين، نهلوا من العلوم الإنسانية والتطبيقية، وتدربوا على الاستفادة من مصادر المعرفة المختلفة.. ويلحظ المراقب المهتم الدور الذي يقوم به عدد من خريجي الجامعة في عدد من مؤسسات الدولة الولائية والاتحادية.. وبقليل من الملاحظة والقراءة المتأنية نلحظ الأثر الموجب الذي أحدثته الجامعة في تنمية الولاية، حيث ساهمت في تقليل هجرة الطلاب وانتقالهم الى الدراسة بالخرطوم وولايات أخرى فضلاً عن احتضان النيل الأبيض لعدد من أبناء السودان بطوله وعرضه.. شرقه وغربه.. شماله وجنوبه، وما أحدثه ويحدثه هذا الانتقال من آثار ثقافية وإجتماعية واقتصادية، يلمسها المعايشون لحركة الحياة والسوق في محليات الولاية المختلفة، وذلك من خلال الخدمات الأساسية المباشرة وغير المباشرة. لقد ساهمت الجامعة في استقرار أعداد كبيرة من الأسر والتي وجد عدد من عائليها وأفرادها وظائف وفرص عمل بكليات ومرافق هذه المؤسسة الأكاديمية الواعدة، الأمر الذي أدى لاستقرارهم ولو جزئياً وتفرغهم لمتابعة شؤون حياتهم.. ومن ناحية أخرى أعطت الجامعة ولاية النيل الأبيض ميزة نسبية أخرى لا تتوفر إلا في عدد قليل من ولايات السودان، وهي احتضانها لجامعتين من الجامعات القومية بالولايات (بخت الرضا والامام المهدي).. ووضعت الولاية في المركز الثالث من حيث أعداد الطلاب بمؤسسات التعليم العالي بعد ولاية الخرطوم وولاية الجزيرة التي تحتل المركز الثاني. لكن كل هذه الميزات والفوائد في خطر عظيم سيتنامى ويتصاعد ويتعاظم، في حال استمرار الجهات ذات الصلة بأمر الجامعة في التعليم العالي في ترددها وبطئها باتجاه حسم وطي ملف عدد من القضايا العالقة، والتي باتت مهدداً ومؤشراً ينذر بمخاطر جمة ستدفع ثمنها ولاية النيل الأبيض، والتي تقف مكتوفة الأيدي بسبب القوانين واللوائح التي تنظم العلاقة بين المركز والولايات في عدد من الملفات، ومن بينها ملف الجامعات القومية بالولايات، حيث تكتفي الولاية بالاستضافة وتقديم مافي استطاعتها من دعم مادي ومعنوي وعاطفي.. لكنها تقف عاجزة عن أمور أخرى مثل تعيين مدير جديد للجامعة يمسك بعقالها ورسنها المتفلت، ويجد مخرجاً ومنفذاً لقضايا فنية وأكاديمية بحتة، لا تتحمل التسويف السياسي ومسكنات المعالجات الوفاقية والسياسية، التي ما أن تهدأ حتى تقوم ثائرتها من جديد بالتهاب أشد تقيحاً وألماً مما مضى!! إن واقع جامعة الإمام المهدي لا يسر صديقاً ولا يفرح الحادبين من أبناء الولاية الذين ينتظرون منذ سنوات التأسيس وحتي لحظة كتابة هذه السطور، أن تتفرغ جامعتهم الحلم للدور الذي جاءت من أجله.. وتقوم بدور أكبر في محيط مجتمعها الولائي والقومي، وألاَّ تقعدها الخلافات المتكررة والمتلاحقة عن اللحاق بركب نظيراتها من الجامعات وخير مثال لهذا جامعة بخت الرضا، التي قطعت اشواطاً مقدرة في تأسيس بنياتها التحتية وترتيب أوضاعها الفنية أكاديمياً ولائحياً، بما يمكنها من الانطلاق كجامعة ناشئة تخسر كثيراً إن ارتبطت مسيرتها بتراجعات هنا وهناك، كماهو حال جامعة الإمام المهدي. أقول هذا وأدعي معرفة الجهد الذي يقوم به نفر كرام من أساتذة الجامعة الحادبين على مصلحتها.. وأعرف أيضاً الجهد الأمين والمخلص الذي يقوم به خيرون كُثر في أجهزة الولاية التشريعية والتنفيذية والسياسية والأمنية لأجل استقرار الجامعة وتطورها.. وهو جهد واخلاص سيتبخر في حال انتظار التحرك السلحفائي لتعيين مدير جديد للجامعة، بعيداً عن التحالفات و(الموازنات) التي أقعدت ولايتنا كثيراً.. ومن مضحكات ومبكيات بحر أبيض أن الجميع يعرفون سر الوجع، وموضع التفكك في جامعة الامام المهدي، ولكنهم يصمتون أو يتحركون في تردد.. وها نحن نقولها بصراحة: مشكلة الجامعة إدارية.. وهو أمر لا يحتاج الى كثير جهد لفك طلاسمه، تماماً كما هو حال قضية مدير الجامعة، الذي سكب الحقد الأسود حامض الكبريتيك المركز على وجهه.. وتلك قضية سنعود لها بتفصيل محزن لاحقاً!!.