تدنت سمعة النواب البرلمانيين في بريطانيا نتيجة لأخطاء اقترفتها قلة قليلة في المطالبة غير القانونية بنفقات غير مستحقة، نال البعض مالاً مقابل شقة استأجروها واتضح أنهم كانوا يسكنون في غيرها.. وطالب البعض بمبالغ مقابل فواتير ادعوا أنهم سددوها أثناء أداء واجباتهم البرلمانية، واتضح غير ذلك، وقد سجن بالفعل النائب البرلماني السابق ايريك الزلي لمدة عام نتيجة للتحقيق في نفقاته البرلمانية، كما سُجن آخرون. وعلق محللون ومراقبون على «فضيحة النفقات» قائلين إن زعزعة الثقة في النواب والسياسيين لوثت سمعة البرلمان ككل. اضطلعت الصحافة الحرة بدور مهم في كشف الفضيحة، بل إن الصحافة (كما أرى شخصياً)، بالغت في تهويل الموقف.. فهي لم تذكر إلا نادراً أن النواب رغم أخطائهم كانوا يؤدون واجب الصلة اليومية أو الأسبوعية بالناخبين ويتابعون مطالب دوائرهم في الوزارات المختلفة، وينسقون مختلف الأعمال الاجتماعية والخيرية.. وأن قلة قليلة منهم هي التي أساءت استغلال موقعها وعوقبت. من زاوية أخرى، فإن الصحافة الحرة ليست دائماً نقية أو تقية بدرجة تضعها في كرسي القاضي الذي يشوه سمعة البرلمان ونوابه، ويوزع الإدانات والإشادة.. فقد اضطرت صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد» الشعبية الواسعة الانتشار، إلى نشر اعتذار علني في صدر صفحتها الأولى يوم 10 أبريل 2011 في أعقاب افتضاح تنصت أحد محرريها على هواتف السياسيين ونجوم المجتمع وأعيانه، بل إن الصحيفة (المتخصصة في أخبار الإثارة والرياضة والجنس والجريمة) عرضت مبالغ طائلة كتعويض للذين تضرروا من تجسسها عليهم (عندما نشرت على الملأ أسرارهم للسيطرة الكاملة على قناة «سكاي» في بريطانيا، في وجه معارضة قوية.. وقد أتت فضيحة التنصت في توقيت محرج لروبرت ميردوخ، لأن قرار السماح له بامتلاك سكاي لم يصدر بعد من السلطات. نستحضر أيضاً أن حركة العدل والمساواة عندما غامرت بالاعتداء على أم درمان في مايو 2008، وجدت إشادة من التايمز (التي كانت وقورة في الماضي)، بل إن أحد كبار المحررين التقى د. خليل إبراهيم ونشر مقالة أشبه بمنشور تحريضي أثبتت الأيام خطأ استنتاجاته وتحليله وعدم جدوى نصائحه. نيوز انترناشونال ترينا عيوب الصحافة الحرة في الدول الديمقراطية الكبرى.. ويحتكر بعض المليونيرات الساحة بدفتر الشيكات ويضطر زعماء الأحزاب وقادتها إلى تملقهم، بل إلى كسب ودهم بشتى الوسائل (كما فعل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير)، الأمر الذي يعني عملياً تزوير وتشويه صورة الديمقراطية.. ويعني أن «الصحافة الحرة»، حرة بالقدر الذي يسمح به المليونير وهو في حالة روبرت ميردوخ مسيس يشن حملة ضارية على البي بي سي، لأن البي بي سي يمولها الشعب من الاشتراك السنوي الذي يدفعه كل مواطن.. وهي ملزمة لذلك بأن تعرض وجهات النظر المختلفة والمتباينة. صفوة القول إن الإعلام الحر في بريطانيا بالغ في استغلال فضيحة نفقات النواب بطريقة شوهت صورة البرلمان في أعين الشباب والطلاب.. غير أن الجمل- كما يقول المثل السوداني البليغ- لا يرى اعوجاج عنقه.. وقد أرانا اضطرار «نيوز أوف ذا وورلد» للاعتذار العلني، أن رقبة الصحافة الحرة معوجة.. وهي ليست نقية أو تقية بالدرجة التي تسمح لها بتوزيع الإدانات أو الإشادة والتأثير السلبي على الساحة السياسية.