الدكتور حسن الترابي يمتشق سيفه من جديد في مواجهة الرئيس البشير، يطلق عليه كالعادة دخاناً كثيفاً من الانتقادات اللاذاعة والإشارات الغليظة، ولا يعرف إذا كان ولع الترابي حول هذه الممارسة الراتبة يمثل إعصاراً أم ذوبعة في فنجان. ارتبط هجوم الترابي على المؤتمر الوطني وهو يركز على وجه الخصوص على شخصية الرئيس البشير على نحو قدري، بعد المفاصلة الشهيرة وهو يملأ الأرض بالصخب والضجيج والفوران مدفوعاً بالمرارات والغبائن والرغبة في الانتقام من تلاميذه في النهج السلفي الاخواني الذين ذاق منهم الهوان بعد أن علمهم نظم القوافي. وها هو الدكتور الترابي يجزم بأن الرئيس البشير لن ينال كرسي الحكم مرة أخرى في انتخابات رئاسة الجمهورية المرتقبة، مؤكداً بأن البشير لن يحصل على 50% من الأصوات، وهو بذلك يكون أول قائد سياسي في الساحة السودانية يتنبأ بهزيمة البشير على طريقة الأسلوب السينمائي في معركة الوصول إلى قيادة السلطة. ولم يكتفِ الترابي بهذا النمط بل استخدم العقلية الميكافيلية، وهو يحرض القوى السياسية على تشتيت الأصوات عن مرشح المؤتمر الوطني. (الأحداث بتاريخ 31/12/2009م). ودائماً يستخدم الترابي في حربه الملتهبة مع المؤتمر الوطني الأساليب والإشارات التي تعكس لغة الاستهانة والتلويح بنشر الأمور الغائبة، وتهويل الأخطاء والمثالب والتجاوزات إلى أقصى حدود ممكنة. والترابي صاحب مقدرة عالية في إجادة الطرائق التي تلامس الوجدانيات، واختراق الخريطة الأخلاقية والنفسية للمواطن السوداني، فهو يعرف انعكاسات أحاديثه عندما يعلن بأن الحكومة قد أباحت اختطاف أطفال دارفور وجعلتهم حيوانات في البيوتات الأوروبية. معركة الترابي الشرسة مع الرئيس البشير والمؤتمر الوطني تأخذ اليوم مسلكاً مغايراً ونهجاً مختلفاً ومضامين جديدة من شخصية رمزية في محيط السياسة والمجتمع، بهرت الكافة بلقب الأب الروحي للحركة الإسلامية السودانية ودوره المؤثر في المسرح العام، لا يريد من منطلق معادلات النفحة الدينية والسياسية والكاريزيمية أن يصبح شوكة مكسورة وتتهشم صورته في دفتر التاريخ. والآن يجنح الترابي على مصادمة البشير والمؤتمر الوطني بايقاعات أكثر إيلاماً وقسوة ومواكبة في العدائية، وهو ما يعرف بسلوك عجائب النحل والعناكب في علم البيطرة، نتيجة لتطورات شكل الصراع والتحركات المتسارعة في المشهد السياسي. وأهم ملاحظة في سلوكيات النحل أن ذكور الخلية مصيرهم الموت والفناء في نهاية المطاف، فهم سوف يتساقطون من الإعياء والمجهود عندما يجدون الأبواب أمامهم موصدة بعد عودة الملكة! والنحل الشغال يلدغ عدوه حتى موته هو!!. أما العناكب فإن الانثى تمتص الذكر في عملية التلاقح حتى يموت!! ويجف تماماً وفوق جثته تبيض الأنثى!. والمتأمل لمخرجات هذه المعادلة يجد أن الاتهامات الغليظة للمؤتمر الوطني التي تتجاوز الخطوط الحمراء في هذا الظرف، تضع هؤلاء الجماعة في قالب واحد على شاكلة مصير النحل والعناكب. فالشاهد أن حراك هذه المخلوقات في البقاء والتطور تكون ثمرته الفناء والموت. وعنصر المشابهة هنا يتعدى حدود التوصيف، فالترابي عندما يذكر بأن جماعة الإنقاذ قد مارسوا سلوكاً مشيناً مع أهالي دارفور لدرجة التواطؤ على بيع أطفالهم، فإن ذلك سيجعل تعقيدات الملف الدارفوري تصل إلى أوضاع في منتهى الخطورة، في ظل تربص المجتمع الدولي على الحكومة، وبذلك ربما يكون عنصر الهلاك مطابقاً لعجائب النحل والعناكب، ومن هنا يحاول الترابي تطبيق سلوك تلك المخلوقات في حروبه مع البشير. وذات المنهج يتأطر عندما يشجع الترابي بأسلوبه المؤثر ولسانه الذرب القوى السياسية في الشمال والجنوب على مقاطعة المؤتمر الوطني فعلاً لا قولاً في الانتخابات وعزله في الساحة السودانية... فالمشهد سيكون في قمة المليودرامية عندما لا يجد البشير من ينافسه في الانتخابات الرئاسية فضلاً عن غياب جذوة المنافسة في المواعين الأخرى، ولن يكون هناك طعم لفوز البشير إذا انتصر على نفسه، فالصورة تعكس في هذا الوضع الموت السياسي مثل فناء العناكب من زاوية سلوكياته المدهشة، واشارات الترابي البالغة الاستهداف في جوهر التوصيف، فالحزب الشعبي سوف يسحب ترشيح عبد الله دينق في موقع الرئاسة في اللحظة المناسبة، والدكتور الترابي يتميز ببلاغة الحديث وله قدرات ملموسة في الكتابة والتأليف في مجال الفقه الإسلامي، وقد شارك البشير في مرحلة الحكم الأولى وكان يومذاك ينظر اليه كعراب للنظام!! ويرى الترابي نفسه حجة على مستوى القانون والسياسة والاجتهاد الديني.وكان يرى البشير هدية السماء للشعب السوداني، لكنه اليوم يحمل الغبينة حياله، وكثيراً ما حاول تلبيس أخطاء وتجاوزات الإنقاذ في بداية السلطة على عاتق البشير رغم بصماته النافذة في بطارية الحكم.