يعجبني في الأستاذ عادل عبده بأنه يحسن الاختيار في الشخصية التي يريد معها حواراً - ونجده أولاً على معرفة تامة بهذه الشخصية ومن خلال هذه المعرفة فهو يختار الأسئلة التي تأتي دائماً بمستوى من الصدق والقوة ولها معنى وقبول عند القاريء - وقد قرأت له ذلك كثيراً من صحيفة «آخر لحظة» ولذلك فأني أرى بأن الأستاذ عادل يستحق الاشادة بحواراته المتميزة والتي تكون دائماً في الصميم - وقد توقفت في آخر حوار له مع الدكتور جعفر أحمد عبد الله - القيادي الاتحادي - والذي أعرفه بأنه من المناضلين الأوفياء وقد ضحى بعقدين من الزمان من عمره قضاها معارضاً بالخارج من أجل قضية الشعب السوداني ونضال دكتور جعفر والكثيرين من زملائه بكل أسف لا يعرف عنه الأغلبية من أهل السودان شيئاً - لأنهم قد قضوا سنوات المعارضة خارج السودان دون أن يذكرهم أحد بالداخل إلا أن نضالهم ومعارضتهم قد كان ينظر لها أهل السودان بأنها الأمل والرجاء في تخليصهم من حكم الجبهة الاسلامية الذي ما كان يجد القبول - وعندما حدثت المستجدات بالدعوة لحقن الدماء وضرورة الوفاق وتحقيق السلام عادت مجموعة قوات الفتح للسودان تنفيذاً لاتفاقية القاهرة وقد كان د. جعفر من ضمن العائدين ولكن ورغم نضاله وما قدمه لهذا الوطن من تضحيات فقد كانت عودته في هدوء وعلى الحدود بكسلا دون ضجيج أو مهرجانات كان يستحقها أبطال جيش الفتح جميعاً ومن ضمنهم قائدهم جعفر أحمد عبد الله - ومنذ عودة قوات الفتح فلم نسمع عنهم شيئاً - ولم نسمع عن د. جعفر إلا أنه قد كان عضواً بالمجلس الوطني ولكنه قد قدم استقالته لان الحال لم يعجبه. ومعرفتي لدكتور جعفر تعود إلى عام 1998 عندما سافرت إلى اريتريا بدعوة خصني بها مولانا محمد عثمان الميرغني لحضور ورشة عمل تحت اسم الحرب والسلام في القرن الأفريقي. ثم حضرت أحد مؤتمرات التجمع في ذلك الزمان، وفي أسمرا قد كان أقرب الناس لي يومياً د. جعفر وتعرفت عليه عن قرب لانه كان أكثر قرباً من مولانا الميرغني ويرافقه في كل تحركاته - وقد رافقته إلى مصوع عدة مرات لحضور صلاة الجمعة مع مولانا الميرغني وفي المسجد المقام جوار ضريح مولانا السيد هاشم الميرغني- وقد كان مولانا السيد محمد عثمان يذهب كثيراً إلى مصوع لانه كان يشرف على بناء مسجد ومعهد ديني وقد عرفت عن د. جعفر قوة الشخصية في شيء من الصرامة وخاصة مع أصحاب المواقف الهشة والذين يذهبون إلى الخارج لمقابلة مولانا الميرغني بادعاء الانضمام للمعارضة.وقد كان هؤلاء تسبقهم مواقفهم بالداخل وهذا ما لا يسامحهم به د. جعفر ويجدون منه الزجر والعنف في المعاملة - وهذا ما أوحى للأستاذ عادل عبده أن يتقدم به كاخر سؤال في حواره حيث قال «هل صحيح إنك تستعمل العقوبة البدنية عندما ترى الأمور تتجاوز حدود المباديء؟»َ.وقد كان د. جعفر يعيش معارضة بجديتها وبكل قسوتها ومرارتها وهي فترة لا تحتمل المجاملة ولا التعامل الناعم - خاصة وهو قائد مجموعة تحمل السلاح وتتعرض للمخاطر في كل يوم وقد شاهدوا أمامهم شهداء يسقطون صرعى - انني لا أنسى تلك المجموعة التي شاهدتها في أسمرا وهم شباب قد عاشوا بعيداً عن أسرهم لعشرين عاماً وفيهم من استشهدوا وخلفوا الأرامل والأيتام - ونقول عن هؤلاء بأنهم من أجل الوطن حملوا البندقية ومن أجل الوطن أيضاً قد عادوا - واني خلال اسئلة الحوار الذي تم مع دكتور جعفر أحمد عبد الله فاني اكتفي فقط بالحديث عن مأساة هؤلاء الشباب الذين كنا نطلق عليهم جيش الفتح والذين ضحوا بأرواحهم كما أسلفنا من أجل هذا الوطن ثم عادوا من أجله أيضاً ولكن لنسأل عن عودتهم كيف كانت؟ ونقول بأنها قد تمت بموجب ما تم في ما يسمى باتفاقية القاهرة والتي كنا حضوراً لها والتي تم توقيعها بحضور السيد رئيس الجمهورية السودانية ورئيس جمهورية مصر العربية وقد وقعها نيابة عن التجمع مولانا السيد محمد عثمان الميرغني - وقد كان سيادته وفياً لبنود هذه الاتفاقية وقام بتنفيذ كل ما يليه ومن ضمن هذا وضع السلاح وعودة قوات الفتح فوراً إلى السودان - وعاد أفراد قوات الفتح - وقد كان ضمن ما إلتزمت به الحكومة استيعاب هؤلاء في خدمة توفر لهم سبل العيش الكريم وتعويض أسر الشهداء. وإن هذا لم يحدث حتى الآن بالمستوى المطلوب وأعتقد بأن وفاء السيد رئيس التجمع وإلتزامه بتنفيذ عهده وميثاقه يجب ألا يعامل بمثل هذا التجاهل ويجب اعطاء كل أعضاء جيش الفتح ما يستحقون من حقوق باستيعابهم في الوظائف التي تعادل مؤهلاتهم مع اعطاء كل أسر الشهداء حقوقهم واني أري بأن التجاهل والظلم لهؤلاء أمر لا يرضي الله واعتقد بأن الانقاذ لا ترضى لنفسها هذا - أما اجابات د. جعفر عن واقع الحزب الاتحادي الديمقراطي فاني لا اختلف معه كثيراً في هذا الواقع الذي نحس به جميعاً ولكني فقط أختلف معه في قراره بتجميد نشاطه وأعتقد بأن تجميد النشاط لا يعالج الأخطاء ولا يصحح ما نريد تصحيحه. فالواجب ألا يجمد د. جعفر نشاطه وأن يسعى من أجل الاصلاح لأن الفئة التي تعيق قليله ويمكن ان نتغلب عليها، والحزب الاتحادي هذه الأيام يحتاج للرجال أصحاب الوفاء والاخلاص والشجاعة من أمثال د. جعفر - ونسمع عن البرنامج الاصلاحي الذي أطلقه مولانا السيد محمد الحسن الميرغني - ومثل هذا البرنامج يحتاج للعون والمساعدة وخاصة لحسم العناصر السالبة التي تعمل لاعاقة مسيرة حزب الحركة الوطنية وهؤلاء يجب محاربتهم في قوة وعزم وحسم في وجود د. جعفر أحمد عبد الله ولا يكون بعيداً عن ساحة العمل الاصلاحي.