الوحش الوحش.. هجم الوحش رمية من كتاب المطالعة القديم.. في بواكير مراحل التعليم التي عشناها في منتصف الخمسينيات كان من بين هذه الكتب التي نهلنا منها القصص الهادفة.. «كتاب المطالعة» ويا له من كتاب.. حيث «كريت» وما جنت على نفسها من عدم الرجوع إلى البيت.. وكريت هذه كانت مجرد «سخيلة»، إلاّ أنها اليوم تمثل «رمزية» في حياتنا لشخوص كل الحقب السياسية المتوالية والمتتالية منذ الاستقلال.. إلاّ أن أكثر القصص «رمزية» في ذاك الكتاب الأسطورة هي قصة الفتى والنمر.. فلقد دأب الفتى على الخروج إلى أطراف القرية ثم الصياح مستنجداً من «نمر وهمي».. «النمر النمر هجم النمر».. فيهرع شيبة وشباب القرية لنجدته وهم يحملون العصي والحراب والعكاكيز والنشاب.. فيسخر الفتى فيهم ضاحكاً مستهزئاً.. ويتكرر المشهد مرة تلو مرة حتى يئس وأيقن سكان القرية من عدم وجود نمر واقتنعوا بسخرية الفتى عليهم.. وفي ذات يوم والفتى وحده في أطراف القرية يظهر النمر «جد جد» ويستنجد الفتى.. «النمر النمر هجم النمر» ويسخر أهل القرية هذه المرة من تكرار السخرية عليهم حتى قضى النمر على الفتى والتهمه «حته حته».. وباقي القصة متروكة للتفكير والتدبير.. عفواً للاسترسال في «حدوتة أطفال» وأنا الآن أخطو بكل الكبرياء نحو بوابة الشيخوخة.. إلاّ أني قصدت الاسترسال مع سبق الإصرار، لأن حال السودان اليوم صار كمن ينتظر «نمراً» من «أدغال وأحراش الغيب» لكي يلتهمه كله «حته حته» دون أن يجد من يلبي استغاثته. الوحوش الحيوانية: إن قصة «الوحوش» التي صارت هذه الأيام «موضة حقيقية» موثقة بالصورة والصوت، بدأت تتوسع رقعة انتشارها «بالرعب المشوق» من شرق النيل إلى غربه وجنوبه، لكي تبدأ رحلة التوسع والانتشار في الولايات عما قريب.. ففي كل صباح حكاية «وحشية» جديدة في مكان جديد.. الوحوش الآدمية: جلست مع جاري ورفيق دربي في نوبية الشمال وشمولية مايو البطل «وجامع الحلوة الجامع» «ومسجد القلم العامر»- صلاح أحمد أفندي عبد الله «الديبة» في حلفاية الملوك، لكي أستشف منه نوادره ودرره حول قصة هذه «المرافعين».. وجالت حواراتنا في أن السودان دخل الآن «في الثلث الثاني من نهاية الفصل الأول» من آخر الروايات.. اتفقنا على أن «الوحوش الحيوانية» أكثر إنسانية ورحمة من «الوحوش الآدمية»، التي أضحت ظاهرة متصاعدة بعنف وقسوة بين الاغتصاب والتقتيل لأطفال دون الثانية، وفتيات وصبية يافعين وآخرين وأخريات من شتى الأعمار بالذبح «والبعج» والخنق و «موية النار»، ولا مغيث لمستغيث لأن الاستغاثة بمن هم منوطون بها صارت سخرية.. ويا دار ما دخلك «نمر أو وحش». الوحوش الجائعة: ثم تأتي كارثة النفايات «المسرطنة» كأحدث فصل في الروايات المقتبسة من «كتاب المطالعة».. فصل «مودرن» ومواكب.. نفايات مشحونة خصيصاً إلى السودان على حاويات عبر البحار «والخلجان»، إلى ميناء بورتسودان بهيئة موانئها وجماركها وسلطاتها الرقابية والولائية والشرطية والعدلية والاقتصادية والمواصفاتية، لكي يتندر بتفاصيل تفاصيلها الصم والبكم بالتلويح بالإشارة واللبيب بالإشارة يفهم.. وكان الله في عونك يا وطني. عميد. م/ علي محمود علي هوشة من المحرر الأخ علي أطال الله عمره، انتهى به الأمر إلى تسمية الوحوش الجائعة بعد أن بدأت بالأرانب والقطط السمان والتماسيح العشارية.. أصحاب «الكروش» والحلاقيم الكبيرة.. لكن هناك تسمية أخيرة ظهرت قبل أيام «الوحوش الكاسرة» التي ظهرت بالدروشاب والسامراب.. مع التحية. درار