رغماً عن أنه ليس للطير لبن إلا أننا لو نفذنا للإدارة الأمريكية مطلبها بالمجيء لها بلبنه فإنها ستشربه ولن ترضى عنا، ولهذا يجب ألا نجهد أنفسنا في إضاعة الوقت في حوار الطرشان مع غرايشن الذي لا يملك قراراً مثلما لا تملك الإدارة الأمريكيةالجديدة كلها قراراً، فهناك ينطبق عليهم المقطع الذي يغنيه مصطفى سيد أحمد، فهناك إدارات تجيء وإدارات تغور دون أن يتغير شئ غير الوجوه على الكراسي، بينما مراكز القوى التي تصدر القرارات تبقى هي دون أن تغور، وقد برزت المواقف الأمريكية تجاه السودان حتى في اتفاقية نيفاشا، والتي كان دعمها لها بحساب إضعاف العنصر الشمالي المسلم في الحكومة، وتمكين الحركة من تقوية نفسها من خلال الإستفادة من وجودها في السلطة وسيطرتها على الجنوب، الذي فشلت طوال عمرها في الاستيلاء على أي من عواصمه الكبيرة، والآن وبعد أن شعرت بأن الحركة لا تستطيع عبر الانتخابات أن تحقق ما تريد- حتى في الجنوب- لجأت للتشكيك في الانتخابات قبل قيامها، والقول إن السودان غير مؤهل حالياً لخوض انتخابات حرة في تدخل سافر وغير مرغوب، ثم تدخلت في قانون الأمن الذي أجيز بموافقة الحركة الشعبية من البرلمان بعد مطالبة وزيرة الخارجية الأمريكية بتعليقه، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بالجهر عن ما كانت تسره من دعم ومساندة للحركة الشعبية بإعلانها الضغط على الشمال، ومؤازرة الجنوب والأخيرة هذه بدأت من نيفاشا وبمسارعتها في إرسال المستشار الأمريكي ونتر ليكون مستشاراً لحكومة الجنوب في جوبا عقب رحيل قرنق، ثم تلته الأيام الماضية باصدار سفارتها بالخرطوم لبيانها الغريب الذي أدعت فيه وجود إرهابيين يستهدفون الطيران بين جوبا وكمبالا.. وهكذا ستستمر أمريكا التي نستقبل كل أيام وأخرى مبعوثها غرايشن الذي لا يقدم ولا يؤخر، والذي يجب أن توقف الحكومة مفاوضاتها معه حتى لا تضيع وقتها مع رجل قال الكثير الإيجابي في أولى أيامه مثل غيره ممن يأتون، وسرعان ما يغيرون أقوالهم بفعل الضغوط التي تحكم أمريكا، التي لا تغير مواقفها إلا في حالة الشعور بقوة من تستهدفه أو تفاوضه.. والدليل أنها تفاوض حالياً سوريا سراً وتحلم بود إيران، فلماذا لا نتخذ موقفاً قوياً لا سيما أنها تكن لنا كل هذا العداء الذي لن يتغير إلا بمواقف قوية.. فيها نعلق التفاوض مع غرايشن، ونشترط في استمرار أي تفاوض أن تكون الأقوال والمواقف الأمريكية فيها تغير يجعلنا نمنح غرايشن وقتاً للتفاهم، وإلا لا داعي للتفاهم مع من تؤكد دولته في أقوالها كل يوم بأنها لا تريد التطبيع، وإنها كما قال كيسنجر للسادات (لا تدفع ثمن ما يهدي اليها).