قال مسؤول في الأممالمتحدة إن الموسم الزراعي هذا العام يختلف عن غيره من المواسم منذ نشوب الصراع في العام 2003 بالإقليم، بسبب رجوع الآلاف من المزارعين الذين لجأوا الى معسكرات النازحين أثناء الصراع الى مزارعهم وقراهم، وهي رحلة كانت تعتبر وحتى وقت قريب عملية انتحارية، ويقول السيد رئيس مكتب الأممالمتحدة للمساعدات الإنسانية لدى الاتحاد الافريقي يقول.. (يبدو الوضع الآن وكأنه لم تكن هناك قوات جنجويد تجوب المكان وتحرق القرى. وفي مطار الفاشر تجوب الطائرات سماء المطار الصافية، وقد اصطفت الشاحنات وهي تحمل المساعدات والبضائع المغطاة بدلاً عن مشاهد الصفوف الطويلة من الجنود والطيارين، وقوات الأمن القومي، والرجال المسلحين، والذين كانوا جزءاً من المشهد الأساسي للمطار، ويؤكد المسؤولون في الأممالمتحدة أنه لم يشهد عملية تفجير واحدة منذ شهور طويلة إن لم يكن منذ سنوات.. ويعلق الجنرال باتريك تيامافومبا رئيس بعثة قوات حفظ السلام الرواندية والتي يبلغ عددها 20.000 جندي (التجمد أكثر كلمة مناسبة لوصف الوضع هنا، وإن كان هدوءاً شديداً يشوبه الحذر).إن إقليم دارفور وهو أكبر الأقاليم في غرب السودان والذي أصبح ملازماً لكلمة صراع، يبدو أنه عالق في حقبة ما بين الحرب والسلام، مع وجود حالات من العنف أبرزها مقتل خمسة من قوات حفظ السلام الرواندية، واختطاف أحد موظفي الإغاثة، والسطو على العربات التابعة للمنظمات العاملة في الإقليم، إضافة الى تخوف الكثير من اللاجئين في المخيمات من العودة الى قراهم، غير أن المجموعات المتمردة ظلت هادئة خلال العام الماضي بسبب التشظي والإنقسام وسط صفوفها، وغياب الأجندة السياسية الواضحة، إضافة الى التشجيع الذي وجدته الحكومة السودانية من الولاياتالمتحدةالأمريكية، عندما أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما رغبته الجادة في التفاوض مع حكومة السودان، بدلاً عن فرض العزلة عليها، إضافة الى تأكيد المسؤولين في الأممالمتحدة على غياب الأدلة الكافية التي تثبت تورط حكومة السودان في إزكاء الصراع العرقي في دارفور كما تم اتهامها منذ فترة طويلة، حتى أن معظم الناشطين بشأن دارفور والذين ساعدوا في أن يحتل الصراع الصفحات العالمية الأولى طيلة الخمسة أعوام الماضية، بوصفها أسوأ كارثة في تاريخ أفريقيا الحديث الذين لم يعد باستطاعتهم نفي أحكام مثل: (إن الحرب قد انتهت) ويقول الناشط بشأن دارفور البروفيسور ايرك ريفس بجامعة اسميث كوليج: ليس هناك شك في أن العنف قد تضاءل بشكل عظيم خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بشكل أذهل الكثير بمن فيهم أنا شخصياً، أنني أخشى أن الغضب واليأس اللذين سيطرا على نفوس المواطنين في دارفور لن يزولا قريباً). وتلاشت المخاوف من الخروقات الكبيرة التي يمكن أن تقوم بها الحكومة السودانية خلال الأعوام 2006-2007 أو هجمات الآلاف من الجنجويد على معسكرات اللاجئين، وانتشار الأمراض المعدية، وارتفاع معدلات الوفيات أثر قرار الحكومة السودانية بطرد 13 منظمة أجنبية تعمل في مجال الإغاثة، الشيء الذي منع حدوث أزمة داخل الأزمة. ويؤكد المسؤولون لدى بعثة الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي أن الوضع يتحسن بشكل أفضل من المتوقع، والجدير بالذكر أن هذه البعثة تعتبر أعلى البعثات تكلفة في العالم، إذ تبلغ1.6 مليار دولار، ويقول الجنرال تامافمبا(تواجهنا بعض العقبات من حين لآخر، ولكنها ليست بالسوء الذي نتوقعه، ويبدو أن كل ما يحدث الآن في دارفور يصب في دائرة سؤال واحد يوجهه اللاجئون في المعسكرات لدوائر صنع القرار داخل حكومة السودان مفاده: وماذا الآن؟ في وقت يكره فيه معظم اللاجئين الحياة في المخيمات المزدحمة ذات الصفوف الطويلة في انتظار الطعام والبطالة المنهكة للروح والجسد في آن واحد، ويقول عباس عبدالله محمد أحمد أحد المزارعين الذين شردتهم الحرب، إنه محبط ولا يرغب في البقاء داخل المعسكرات، ويتمنى العودة الى قريته، ولكنه يخشى في نفس الوقت تجدد الصراع بسبب الماء والمرعى بين القبائل في حال عودتهم الى قراهم، ويعمل بعض اللاجئين في المعسكرات داخل المدن القريبة بصنع الطوب الأحمر وبناء مساكن ثابتة وقوية، في وقت يسكنون هم في رواكيب مصنوعة من الأعمدة وأكياس البلاستيك.. ويقول محمد يونس رئيس الأممالمتحدة في دارفور: إن المرجح أن يبقى هؤلاء في المدن التي يعملون بها، وفي سوق الفاشر يجلس التجار بجلاليبهم البيضاء خلف اهرامات من البهارات والتمر، بينما تجلجل الأصوات الشابة وهي تعلن أسعار اللحوم وتعج الشوارع بالعربات المحملة بأكياس البضائع، وألواح الصابون بدلاً من الجنود المدججين بالسلاح. ويرى المسؤولون في الأممالمتحدة أن الأنظار الآن تتجه نحو الجنوب، والذي خاض فيه المتمردون بجنوب السودان حرباً طويلة من أجل الإنفصال بسبب التهميش الناجم من تركيز السلطة والثروة لعقود طويلة بوسط السودان، وهو ذات المصير الذي تواجهه أقاليم أخرى بالسودان كالغرب والشرق، وينتظر الجنوبيون نتائج الاستفتاء الذي سوف يحدد مصيرهم المزمع قيامه بعد عام من الآن. وتطل بارقة الأمل معقودة بمساحة الحريات التي أعطيت لكافة أطياف المجتمع على مختلف هوياتهم السياسية والدينية والعرقية، للمشاركة في محادثات السلام كأول بادرة في السودان.