بعث المركز القومي لأمراض وجراحة الأذن والأنف والحنجرة رسالة اعتذار لطفل يعاني الاختناق بسبب جسم غريب في القصبة الهوائية.. كان طبيب «نائب اختصاصي» رفض إسعافه بحجة أنه في إضراب عن العمل الخميس الماضي.. وناشد المركز القومي أسرة الطفل البريء «إن كان موجوداً في الدنيا».. إعادته للمركز لتقديم المساعدة والتطهر من عقدة الذنب.. وسأله المغفرة إن كان في العلياء، عما اقترف في حقه.. وتعهد المركز بأن لا يكون بين العاملين فيه شخص يرفض إسعاف مريض. وقال المركز في رسالته للطفل «إنك دخلت التاريخ الإنساني باعتبارك أول شخص في العالم يرفض الطبيب إسعافه في حالة طارئة، هو يعتذر بسبب الإضراب».. هكذا قال الخبر الذي نشرته «آخر لحظة» أمس.. وهو خبر يثير الكثير من المشاعر المتباينة في آن واحد.. ويثير في ذات اللحظة قضية خطيرة.. فحقوق الأطباء قضية.. وإضراب الأطباء قضية.. لأنهم بشر وعليهم من الإلتزامات ما عند شرائح المجتمع الأخرى.. وإن كان من تميز لهم عن بقية الشرائح.. فلأنهم ملائكة رحمة ومهنتهم على علاقة مباشرة بأرواح الناس وصحتهم.. وهذه وحدها كانت كافية لإيجاد حل آخر بدلاً عن الإضراب. أما الرسالة أعلاه وما أثارته من مشاعر.. فهي حقيقة تثير الإعجاب بإدارة المركز و«خير الخطائين التوابون».. وفي ذات الوقت تثير الغضب والإستنكار على تصرف الطبيب.. وتثير في ما تثير من مشاعر.. البكاء أو بالأصح فتح نافورة العيون لتذرف الدموع شفقة على الطفل البريء الذي دفع ثمن تأخر الدولة في دفع استحقاقات الأطباء وخطأ تقدير الطبيب المعني الذي تغلبت مشاعر أخرى على مشاعره الإنسانية التي هي بوصلة طبيب إنسان.. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الطفل على قيد الحياة وألا يكون قد دخل من باب الدار الآخرة بدلاً عن باب التاريخ الذي بشر به المركز.إن الخبر والرسالة.. هما عنوانان عريضان كفيلان بتغيير سياسة وزارة الصحة وسياسة الأطباء اذا ما نظرنا لهما بعين الإنسانية وليس عين السياسة التي تبدي المساويا.. والتي تصغر من الأحداث مهما كان عظمها وكانت فداحتها.. فما حدث لا يحدث في أي مكان في العالم.. بداية من تأخر الحق على أصحابه ونهاية بأن يحاسب طبيب الذي هو رسول رحمة، طفلاً بجريرة لم يرتكبها وإنما تقصير من الدولة. حقيقة.. الأفكار تائهة والمشاعر متباينة ومتمازجة.. فالمعذرة إن خاننا التعبير وفشلنا في توصيل وجهة النظر.. وقبل أن تجدوا لنا العذر نسألكم الدعاء بأن يكون هذا الطفل على قيد الحياة وأن يسبغ الله عليه نعمة الشفاء وأن تسألوا الله العافية لبلادنا التي لا تدري من أين تجدها وممن تجدها.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.