شارة موجبة لوّح بها الرئيس ديبي في مستهل احتفالات العرس الكبير، منديل أبيض (مشغول بقطيفة السلام) تدليلاً على القلب الأبيض في شأن خفقانه بحب الوادي الأبيض الذي يضم السودان وتشاد. التلويح بالمنديل إسقاطات عشق قبل أن يكون حذواً سياسياً وتتجاوز مهمته مسح العرق من الجبين لمهمات أخرى يمكن أن تكون كل شئ يندرج تحت المحبة والأمل والتواصل. عاش الشقيقان أعواماً من التوتر والأرق استمرت لخمس سنوات وتّرَت الجغرافيا لكنها لم تخدش التاريخ المشترك ولم تؤثر على القلوب الآهلة بحب القطرين ولا اخترقت لونية التماشج السلالي بين الشعبين لذا كان لابد ان تلوح تباشير السلام لأن المعطى الثابت أقوى من المتحول. عشية عودة الرئيس ديبي لأنجمينا كنت أتابع التلفزيون التشادي الذي اكتظ بتدافع جماهيري حاشد عبّر عن فرحة الشعب التشادي بعودة العلاقات السودانية التشادية وكان ديبي مغتبطاً وكان يلوّح لجماهيره في أنجمينا بذات المنديل الذي لوح به في قاعة الصداقة، لاحظت أن ذلك الحشد كان أكبر بكثير من الحشد الذي خرج لديبي عقب أحداث أنجمينا التي اتهمت فيها تشاد الحكومة السودانية بأنها تقف وراء محاولة تغيير نظام حكمه. عقب عودته قرات مقالة للاستاذ كمال حسن بخيت يحذّر من مغبة زيارة الرئيس لتشاد مشككاً في المنديل وراسماً ريبة وعلامات استفهام بدلاً من السهم والقلب، الأمر الذي استوقفني وجعلني أراجع منظومة الاتفاقات بين السودان وتشاد وأتساءل عن تبدد رمزية الاحتشاد الذي قابل به التشاديون ديبي بعد عودته !!! حذّر الاستاذ كمال حسن بخيت الرئيس البشير من قبول دعوة ديبي لزيارة تشاد، منطلقاً من أن ديبي يجدل شركاً للرئيس لتسليمه للجنائية ، مستنداً على تصريحات لأوكامبو مفادها أن الجنائية ستقبض على الرئيس دون مجهودات تبذلها، الأمر الذي جعل كمال يتشكك في الأمر برمته وينظر إليه بعين الريبة ويحذر بصوت عال من تبعات هذه الخطوة ويهيب بمستشاري الرئيس بدراستها قبل الشروع في القيام بالزيارة. وكان الاستاذ اسحق أحمد فضل الله قد ذهب إلى ذات المعاني وأطلق نفس التحذيرات في مقال سمعت به ولم أحظ بمطالعته. العلاقات السودانية التشادية ليست مثل علاقة السودان بأي دولة من دول الجوار، هي علاقة دم بين القبائل هي مثل علاقة الكف بالأصابع فكل القبائل السودانية في دارفور لها امتدادات سلالية في تشاد عدا الفور والبرتي والبرقد، لذا فاختلاف القيادات سياسياً لا يعني القطيعة الكاملة بقدر ما يعني إعاقة التفاعل السلس بين المجموعات السكانية في تشاد ودارفور وهذا ما يعلل التدافع العفوي الذي كان في استقبال ديبي بما يعني أن المعلن من خطوته يصب في خانة إعادة الحياة لطبيعتها فهل يسعى ديبي ليخسر هذا لصالح مؤامرة؟ .. المنطق يقول إن أي رئيس يسعى للتصالح مع شعبه لأن التصالح يشكل السند لقيادته ويمنحه القوة ويضفي عليه الشرعية وهذا ما عبّرت عنه الجماهير التشادية لدى عودة ديبي. سبق ان انهارت كل الاتفاقات ولم تصمد لدقائق لكن هل سيصمد اتفاق المنديل الأبيض غير المكتوب ؟