التواصل مع القراء في تصوري يعد واحداً من أسعد اللحظات في حياة كتاب الصحف السيارة، فإن يقتطع قارئ كريم لحظات ثمينة من وقته الخاص ليتصل بكاتب ما ليعلق على ما قرأ أو يبدي رأياً ما؛ فذلك في حقيقة الأمر قلادة شرف وضعت على صدر الكاتب المعني، كما أن الاتصال في حد ذاته يمثل دفعة معنوية هائلة لمزيد من العطاء من الكاتب، ولقد تلقت «خلاصة الحكي» بعضاً من اتصالات طيبة تأتي في مقدمتها محادثة الأستاذة أم سلمة حسين إبراهيم، التي أفادت بأنها لا تحب أن تتعامل مع شريحتين بعينهما في المجتمع هما الشرطة والأطباء، ولعل حالتها أمر يمكن تفهمه إذا نظرنا إلى أن التعامل مع الشرطة وبخاصة مع الأقسام الجنائية منها؛ قد يعني بعضاً من المتاعب أو المشاكل، كما أن التعامل مع الأطباء قد يعني في كثير من الأحيان المعاناة من مرض أو خلافه، غير أنها أفادت أيضا بأنها قد بدأت في التراجع عن تلك النظرة القاتمة للعاملين بالشرطة بعد متابعتها لعمود «خلاصة الحكي»، لا سيما مقالات «من طرائف الشرطة» حيث تلمست من خلالها وتعرفت على جانب إنساني لطيف كان خافياً عليها في مجتمع الشرطة.. ولعلها محمدة «لخلاصة الحكي» أن تكون سبباً في ذلك التغيير الإيجابي، وهناك أيضاً اتصالات متواترة من الأخ الفاضل دكتور عبد القادر عوض الدابي المحاضر والمستشار القانوني بجامعة الزعيم الأزهري، ولا غرو في ذلك فهو ابن الشرطة إذ أن والده هو المرحوم العميد شرطة عوض الدابي الذي كان واحداً من القامات السامقة لشرطة الجوازات، وقد حكى اعتزاز والده واعتزازه هو أيضا بالانتماء لقبيلة الشرطة، وعن ما كانت تقوم به إدارة الخدمات بالشرطة وعلى رأسها كريم المعشر ابن السقاي الجميلة اللواء طه جلال الدين، من دعم متواصل في المناسبات والأعياد لمعاشيي الشرطة، إنه تواصل الوفاء الذي عبر عنه المرحوم عوض الدابي بكلمات مؤثرة عندما كان يتلقى «ظرف» الدعم من خدمات الشرطة، إذ كان يدسه تحت وسادته ويقول لابنه «العبرة ما في الظرف.. العبرة في الفكرة»، فما أبلغها من عبارة تحكي الكثير عن أثر التواصل النبيل في مجتمع الشرطة الجميل. وللأخت سامية بكسلا الوريفة الشاربة من الطيبة ديمة أطيب الأمنيات من «خلاصة الحكي» بعاجل الشفاء، فقد آثرت الاتصال بنا وهي طريحة الفراش بالمستشفى، فأي تقدير بعد هذا نريد.. أما أخونا ود رحمة من بربر فقد اتصل مشيداً بموضوع «شرطة الجن تواصل النزيف»، وفي معرض حديثه أتى بعبارة استحسنتها وأعجبتني كثيراً إذ قال: «أنا ما بوليس ولكني بوليسي الهوى».. يا سلام عليك والبوليس أيضا يهواك يا ود رحمة.. يا راجل يا طيب. وأعود بكم من جديد لنواصل الحكي عن طرائف الشرطة التي لا تنقطع أوابدها، ومنها أن امرأتين جاءتا لواحد من مراكز الشرطة وهما تختصمان حول ملكية «عتود»، وقد ادعت كل واحدة منهن أنه لها فاحتار الجاويش النوبتجي في الأمر، فقام بعرضه على ضابط الجنايات بالقسم الذي طلب من المرأتين أن تذهبا لمنزليهما وتحضران غنمايتيهما، وبعد إحضار «الغنمايتين» قام الضابط بوضع كل غنماية بركن قصي بحوش القسم وأتى ب«العتود» موضوع النزاع وأطلقه من على البعد، فإذا بالعتود يجري مباشرة لأمه مهاجماً ثديها، وعندها قال الضابط لصاحبة الغنماية الأم «خلاص شيلي عتودك.. عتود شنو كمان العاوزين تعملوا لينا بيه خوتة في القسم».. فكانت تلك حيلة لطيفة ذكية وطريفة لإنهاء النزاع. كان الضابط عادل حسن جبارة وعثمان حسن الجمل وممدوح سعد الدين ومعتصم الهادي يعملون بشرطة ود مدني، عندما وقعت بعض التظاهرات الطلابية بالمدينة على أيام حكم نميري، فقام العقيد عمر غلام الله بتقسيم المدينة إلى أربعة محاور وأرسل الضباط الأربعة كل على رأس فصيلة لمكافحة الشغب إلى المحاور الأربعة، وكان نصيب الملازم جبارة تغطية سوق المدينة أو ما يعرف «بالملجة»، فتوجه عادل مع قوته إلى الملجة حيث وجدها خالية من المارة الا من بعض الباعة هنا وهناك.. أوقف عادل اللوري «الداف» وعليه جنوده ونزل بمفرده وتوجه نحو واحدة من «طبليات» الفواكه، وفي طريقه لاحظ أن هناك عدداً من الطلاب «لابدين» بداخل مبنى جزارة السوق فتوقف أمام بائع الفواكه وقال له: عن إذنك، والتقط «موزتين» وحشرهما تحت القاش أمام بطنه جوار قنبلتي غاز مسيل للدموع ظاهرتين في مقدمة القاش، وبخطوات ثابتة تقدم نحو «الجزارة»، ولما لمحه الطلاب خرجوا من مخابئهم تحت طاولات الجزارة وبدأوا في الهتاف «سبعة سنين والتنمية وين.. سبعة.. سنين و.....»، فجرى عادل نحوهم وتظاهر بسحب القرنيت من القاش في الوقت الذي كان فيه قد سحب إحدى الموزتين، وقام بتقشيرها بحركة أشبه بنزع قنبلة القرنيت فانطلق الطلاب هاربين ظناً منهم بأن الضابط على وشك رميهم بالغاز المسيل للدموع وهم محصورون بمبنى الجزارة، أكمل الملازم تقشير الموزة والتهمها وهو يضحك، وعند العودة للقسم سأل العقيد عمر غلام الله ضباطه عن أحوال التظاهرات وكيفية تفريقها، وعن عدد قنابل الغاز التي استعملت ولما جاء دور عادل سأله: «اعترضتك أي مظاهرة في السوق»؟ قال: نعم سيادتك «استعملت كم قرنيت»؟ ولا واحدة سيادتك.. «ولا واحدة طيب فرقت المظاهرة كيف»؟ فأجاب عادل: «فرقتها بي موزة سيادتك»!! بعد تخرج الدفعة (35) في كلية الشرطة كان نصيب الملازم الوسيلة على الطاهر؛ وهو من أبناء الجموعية الأفاضل والملازم أسامة بشير وهو من أبناء الخرطوم (3)، أن يعملا معا بالأبيض، وتوطدت زمالة الكلية إلى صداقة متينة بعملهما معا، وذات يوم قال الوسيلة لأسامة «والله يا أسامة أنا داير صداقتنا تبقى قرابة فإيه رأيك تديني واحدة من أخواتك».. فتفرس أسامة في وجهه ملياً وقال له بكل جدية «والله ده كلام جميل وأنا شخصياً ما عندي مانع وما بلقى أحسن منك، لكن بس في حاجة واحدة عايزك تعرفها، وهي إنو أخواتي ديل كل يوم العصر بشيلو مضاربم وبيلعبوا تنس ومرات بلعبوا باسكت.. أهلك الجموعية ديل بقدروا على الكلام ده؟»!! أما الملازم ثابت مكي عبيد والملازم محجوب كحيل، وهما أيضا من ضباط الدفعة (35)، فقد كان حظهما أن يعملا معا بالقضارف.. ثابت بالأمن العام ومحجوب بالشرطة، وكان جهاز الأمن في ذلك الزمان يقوم بجمع المعلومات فقط عن معارضي الحكومة ويترك مسائل القبض والتفتيش للشرطة إذا دعا الأمر، وذات مرة قام الملازم ثابت بتقديم معلومات عن واحد من الأخوان المسلمين بالقضارف؛ مما استدعى تفتيش منزله بواسطة الملازم محجوب كحيل الذي كان دقيقا في تفتيشه، وفي أثناء التحقيق بدا الرجل منفعلا وغاضبا وقال لثابت: «يا خي أمر القبض بنفهموا وما عندنا مشكلة في أمر التفتيش، لكن بس وريني حلة الملاح الفوق النار دي يفتشوها لي شنو، حيكون فيها منشورات يعني»؟؟ بعد عودة الفريق شرطة الوسيلة علي الطاهر من الحج مقبولا باذن الله، توافدت عليه وفود المهنئين وكان أن اتصل به اللواء الظريف محمد صالح حامد عن طريق الموبايل، وقال له: «شكراً ومرحب بيك وإن شاء الله تكون جايب معاك خروف»، فرد عليه محمد صالح: «إنت جنيت، خروف شنو.. أنا حأجي أضحك وأمشي»!!. حكى لنا الأخ حيدر عبد الباقي ظريف الدفعة (35) طرفة عن مسطول كان يستمع إلى نشرة الأخبار، وسمع ضمن أخبار الوفيات أن الحاجة ست النفر جادين قد توفيت «بالباسا» ودفنت «بالباسا»، فالتفت إلى رفيقه وقال له: «الناس ديل مستعجلين كده ما لهم دفنوها (بالباسا) ما لقوا ليهم كفن ولا شنو»؟