المواجهات التي حدثت أمس بين الشرطة والمواطنين في منطقة الحاج يوسف لا تكشف وحدها حجم البؤس البيئي الذي دعا المواطن هناك للتجمهر وللتظاهر في يوم (العيد) و(الراحة)، فالجمعة يوم عيد المسلمين ولكنه يكشف الى أي مدى كبير مأزق وبؤس الدولة في معالجة قضايا الخدمات للمواطنين بصورة لا يمكن دمغها سوى بإدمان (المماطلة) والتسويف وانعدام مظاهر الجدية في معالجة مثل هذه المشكلات والقضايا. فالتردي البيئي في هذه المنطقة ليس وليد اللحظة أو قبل شهر أو شهرين ولكنه يمتد لسنوات، فكل الذين يمرون بالطريق الدائري الذي يربط بين مناطق الدروشاب والسامراب في اتجاه الشرق لمناطق المايقوما والحاج يوسف فإنهم عندما يقتربون من هذه المواقع فأول ما يفعلونه هو أن يقومون بسد أنوفهم وأفواههم جيداً حتى لا تتسلل اليها تلك الرائحة المعروفة التي تزكم الأنوف وتسد النفس، فهنا (عاصمة الصرف الصحي للعاصمة) واصطلح الأهالي على تسميتها باسم عمار!!.. ولا أعرف من أين جاء هذا الاسم!! وكنا نشفق على أهلنا في المايقوما والحاج يوسف عندما نزورهم على عجل!! فلا حيلة لنا بالصبر على هذه الحالة، نسألهم عايشين كيف؟.. فيردون علينا بأنهم (مجبورين!! والولف كتال)، ولا يعرفون الى اين يتجهون!! ومن ثم يبدأ مسلسل الشكاوي من الروائح المنبعثة خصوصاً في منتصف الليل وعند الفجر، فالنسيمات هنا تتحول (لعفينات)، وقطعاً لن تبعث على الدعة والإرتياح ولن تجعل المرء في هذه المنطقة الموبوءة يتغنى مع الراحل مصطفى سيد أحمد: الصباح الباهي لونك.. ولكنهم قطعاً سيغنون يا نسايم الليل أشهدي على بكاى وتنهدي، الآن لا أعرف كيف تطورت هذه المشكلة على هذا النحو؟.. وربما يكون وجود المسلخ قد زاد الطين بلة، ولكن الذي أعرفه أن الوقت قد حان لمعالجة الوضع البيئي في هذه المنطقة المنكوبة من العاصمة القومية، وهو وضع انعكس سلباً على الحالة الصحية للسكان الذين يشكون مر الشكوى من الأمراض والوبائيات التي استشرت وانتشرت بسبب غياب المعالجة الكاملة والمطلوبة من الحكومة التي هي مسؤولة أمام الله والوطن والرأي العام عن صحة مواطنيها، فهل نطمع في سد هذا الملف العاجل ومعالجته بعيداً عن أروقة المحاكم وأسلوب التحرشات والمواجهات، والتي قطعاً لا تشبه العلاقة النموذجية التي يجب أن تكون بين المواطن والدولة.