متعة هذه الأيام في الحراك السياسي الذي انتظم البلاد وعودة الروح للأحزاب السياسية وحرية المنابر التي بلغت منتهاها وفي تحول مكونات الحكومة إلى أحزاب تعمل مثل المعارضة على حشد جماهيرها لساعة الفصل التي سيعتلي بعدها كراسي السلطة من يختارهم المواطنون.. ولهذا عادت الندوات للأحياء.. كما عادت الملصقات للشوارع لنطالع في بعضها عبارات موضوعية وفي أخرى هتافات تعبر عن الخواء البرامجي عن الأفكار الجاذبة للجماهير.. والتي تطلق في زمان لم يعد المواطن تجذبه فيه الهتافات. وبمناسبة الليالي الحماسية.. فقد حضرت أمس الأول اللقاء الجماهيري للسيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة بالميدان المقابل لمسجد الإمام عبد الرحمن بودباوي بأم درمان، والذي جاءه السيد الصادق بروح معنوية عالية انتظمته بعد عودة الصفاء والوئام مع مجموعة مبارك الفاضل التي انشقت عنه ليأتي خطابه مليئاً بنبرات وعبارات التحدي للمؤتمر الوطني وهو يقول (إننا كقوى سياسية رتبنا لننقذ البلاد من الإنقاذ)، ثم ذهب إلى مطالبة البشير بالابتعاد والتعهد بوقوف القوى السياسية أمامه لإيقاف إجراءات المحكمة الجنائية.. لنقول إن من حق حزب الأمة أن ينافس الوطني، ومن حق تحالف جوبا أن يتحد لإقصاء الوطني عبر الانتخابات دون أن يعترض الوطني على ذلك ما دام قد ارتضى الرجوع للشارع ليقرر من يحكمه، إلا أن الإقصاء يجب أن يكون عبر البرامج باعتبار أنها البضاعة التي يعرضها كل حزب على الناس مما يجعل شعارات التشفي ومكايدات الانتقام غير مرغوبة، لا سيما وأن الأمر قد ترك للمواطن ليقرر إبعاد البشير أو إبقاءه، فالمحاكمة الحقيقية الآن قد تركت للمواطنين أصحاب الحق لا للمحكمة الجنائية التي تتعامل بمعايير مزدوجة.. وكان من الأوفق للمهدي أن يكتفي بالتركيز على برامج حزبه من أن يعول على إقصاء البشير قبل الانتخابات من خلال الاستعانة بالخارج بحسب رسالته التي بعثها في اللقاء للبشير.. والتي لم تكن مطلوبة في زمانها ومكانها ومقتضياتها .. خاصة وأن المؤتمر الوطني تحمد له جديته في قيام الانتخابات وحرصه على اتساع الحريات، وهذا ما لم يفعله أي نظام جاء بالبندقية والتجارب حولنا كثيرة.. إضافة إلى نجاحاته في تحقيق سلام الجنوب وترتيباته الجارية لإحلال السلام في دارفور قبل الانتخابات. أخيراً: دعونا نستمتع بالحرية من خلال إطلاق البرامج والمناظرات القيمة التي تقام في الهواء الطلق وتنقل عبر أجهزة الإعلام التي صارت مساحات للجميع، والتي جعلت مقدم برنامج لقاء حزب الأمة الجماهيري يقول في ختامه (نشكر عودة التلفزيون القومي إلى مناشطنا بعد طول غياب).. فدعونا نأتي بديمقراطية حضارية في كل شيء.. نؤسس فيها لتجربة تكون مرتكزاً للتجارب المقبلة بتهيئة المناخ لها في أقوالنا وأفعالنا وفي حرصنا على بعضنا كسودانيين وعلى سلامة الوطن وإبعاد العنصر الخارجي عن التدخل في شأننا الداخلي الذي لا أحد أحرص فيه منا.