ونقول.. جزى الله السكر كل خير فقد عرّفني صديقي من عدوي.. ونتحدث عن السكر.. فقط السكر.. فقط لأنه الشيء الوحيد.. الذي تبقى.. حلواً في حلوق الشعب السوداني.. الذي ظل يمضغ الحنظل.. كل يوم.. كل يوم.. يتجرع كؤوسه مترعة.. كان ذلك.. مأكلاً.. أو مشرباً أو ملبساً.. أو خدماتٍ.. أو صحةً أو تعليماً.. ويصمد الشعب.. كما الجبال الراسيات.. تتحرك الأسعار كل لحظة كل دقيقة.. وهو ثابت لا تهزه رياح.. باسلاً يتلقى الصفعات.. في جسارة ورجولة.. مهانة وإذلالاً.. من إيصالات الجبايات المتساقطة.. كما الجراد.. تنتاشه أنياب التجار الوحشية.. وهي تغرز أسنانها.. في جسده المنهك العليل.. لم يحركني.. ولم يفزعني.. ارتفاع أثمان الطماطم وهي تطير.. في الأعالي.. يوماً إثر يوم.. لم تُدمِني.. ولم تعصر كبدي معاصر الزيوت التي تعصر السمسم والبذرة والفول.. وقبلها تعصر أشلاء المواطن.. إلى آخر «تعريفة» إلى آخر قطرة دمع من عيونه التي أعشاها البكاء.. إلى آخر نقطة دم في عروقه النافرة الناحلة.. التي جفت لانقطاع الدماء.. لم تحرك آلامي وأشجاني.. رسوم المدارس وطرد الطلاب من الحصص.. ورسوم التسجيل.. وبدعة الدروس الخصوصية.. أثناء يوم الدراسة والتحصيل.. دروس خصوصية.. لتلامذة بالكاد.. يميزون.. حرف التاء من الثاء.. لم تغضبني.. ملاحقة.. عسكر المحلية.. للأرامل والأيتام والمطلقات.. واللائي جار عليهن عسف الزمان ومحن الأوان.. والمحالات للصالح العام.. فقط لفقرهن.. من السند والركيزة والظهر فقط.. لأنهن لسنَ من محكم التنظيم.. لم تفزعني.. وترعبني.. تلك الإعلانات المبوبة.. المنفجرة كوابل الأمطار وهي.. تسكب الدموع وليس الأحبار.. خطوطاً حزينة بشعة ومفزعة.. ونداءات من المحاكم عبر الصحف.. للنظر في دعوى.. طلاق.. بسبب الغيبة.. ونقرأ.. ونبكي.. ونردد.. ابكِ يا بلدي الحبيب.. ونعيش.. لنرى.. عُرى الأسرة وهي تتفتت.. ونعيش ونرى.. كيف يهرب.. الذي ضاقت به «قِبل الله الأربعة».. مهاجراً بل هارباً.. من دفء الأسرة المستحيل.. لبرودة الغرف الرطبة.. في المنافي والمهاجر.. حيث الإنسان الغريب هناك.. ليس أكثر من أوراق مهترئة.. تثبت لون العيون والبشرة.. وذاك الزمان البائس الذي.. جعله أحد سكان كوكب الأرض.. لم تخنقني العبرة.. والغصة تطعن في الحلق.. وأنا أقرأ يومياً.. مناشدة لأهل الخير.. والمعروف.. والإحسان.. للمساهمة.. في إنقاذ حياة.. مواطنة.. أو مواطن سوداني.. سكن وتوطن في جسده الناحل.. المرض.. وعجزت موارد الأهل.. والعشيرة.. عن إقالة عثرته.. والإحاطة به لسترته.. نعم.. لم يغضبني ويفزعني.. ذاك السيل الهادر من الأسى والألم والجراح والنواح.. الذي يجتاح شعبي.. المسكين.. مثلما اجتاحتني غضبة مضرية.. وحفنة بل مجموعة شريرة من التجار.. أو رجال الأعمال.. لم تجد في كل سلع الدنيا.. في كل كتف «سمين» يؤكل.. غير سلعة السكر.. وكأنها.. تستكثر على هذا الشعب الصابر الصامد.. وعلى لسانه أن يتذوق طعماً حلواً.. وهو الطعم الوحيد الذي تبقى للبسطاء والغبش والفقراء.. من شعب هذه البلاد.. وغضبي.. ليس لأن سلعةً قد ارتفع ثمنها.. فهذا هو الوضع السائد والمألوف والمعروف.. والمفروض.. عنوة ورجالة.. طيلة عقدين من الزمان.. أي منذ أن أطلت سياسة التحرير بخلقتها المشؤومة.. غضبي.. أنني أنظر إلى هذه الزيادة الهائلة في سلعة السكر من باب المهانة والإذلال.. والعبث اللاهي.. والتجرد الكامل التام من الأخلاق.. أنظر إلى الأمر.. بأنه فوضى عارمة.. تجتاح البلاد.. ودعوني أكون أكثر دقة وأشد حدة.. وأقول.. إن الذي حدث في أمر السكر هو «حقارة» و «حقارة عديل كده».. استهانة بالشعب.. وضحك على الحكومة.. وإلاّ.. كيف يتضاعف سعر السكر.. ونحن نعيش مواسم إنتاجه.. كيف يتضاعف سعره ورمضان.. ذاك الشهر الذي.. ينتظره هؤلاء الجلادون بفارغ الصبر وطول الرجاء.. قد انطوت أيامه.. ومضت لياليه.. ويا لبؤس المسؤولين.. والذين بيدهم الأمر.. والسلطة والقانون.. والسجون.. والمحاكم.. وتصريحاتهم المسكينة.. وهم يقولون إن الزيادة غير مبررة.. وهي لا تعدو أن تكون مفتعلة.. ثم لا شيء بعد ذلك.. وكأنهم حكام.. على إمارة موناكو.. وكأننا.. شعب التبت.. أو كشمير الشرقية.. - نواصل -